قال رحمه الله: [وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] ، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] ، وقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] ، وقوله: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] ، وقوله: {وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء:111] ، وقوله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن:1] ، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:1-2] ، وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:91-92] ، وقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] ، وقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]] .
جميع هذه الآيات مقصودها وموضوعها واحد، وهو إثبات الكمال لله عز وجل في صفاته وأفعاله وأسمائه وما يجب له، وتنزيهه سبحانه وتعالى عن النقائص والعيوب، وقد نزه الله سبحانه وتعالى نفسه في كتابه عن العيوب: تارة بنفيها، وتارة بإثبات أضدادها، فقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:65] هذا فيه نفي السمي، وهو النظير والمثيل، فقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) نفي أن يكون له سمي جل وعلا في صفاته أو في أفعاله أو في أسمائه أو فيما يجب له.
وكذلك قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] هذا نفي أن يكون له كفؤ في شيء مما يجب له أو مما يتصف به سبحانه وتعالى.
وقوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:22] ، {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] هذا فيه نفي الند، وهذا النفي المتقدم في الآيات كله نفي مجمل، والمقصود منه والمراد به: إثبات الكمال له سبحانه وتعالى.
وقوله: {وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الإسراء:111] هذا فيه نفي الولد، وهو نفي مفصل المقصود منه نفي ما ادعاه الجاهلون من أن لله ولداً كما قال النصارى وكما قال اليهود وكما قال المشركون، وقال الله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء:111] هذا فيه نفي الشريك لإثبات تفرده بالملك، وهو من مقتضيات ربوبيته سبحانه وتعالى، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ} [الإسراء:111] أي: لم يكن له نصير بسبب ذل، ولم يكن له محبوب بسبب الذل، فقوله: (مِنْ الذُّلِّ) أي: لأجل الذل، فمن هنا سببية، أي: لم يتخذ جل وعلا أولياء ليتقوى بهم أو لينتصر بهم على غيرهم، فهو الغني الحميد سبحانه وتعالى، وإنما يتخذ الله أولياء رحمة وإحساناً وبراً وكرماً وجوداً، فالولاية الثابتة في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [يونس:62] هل هي ولاية نصر، أي: أنه تولاهم ليتقوى بهم ويعتز؟ لا، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إنما هي ولاية رحمة وإحسان وبر وكرم منه جل وعلا.
ثم قال: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء:111] بعد أن ذكر ما نفاه مما يقتضي كماله سبحانه وتعالى قال: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) ، فالتكبير هو التعظيم، وذلك أن الله جل وعلا أعظم مما تدركه العقول، بل ما جاء في النصوص إنما هو شيء من كماله، وما اخفي عنا شيء كثير، وشيء عظيم.
ومن الحكمة أن الإنسان في دبر كل صلاة يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، فسبحان الله ماذا يحصل بها؟ تنزيه الله عز وجل عن كل نقص، وقوله: الحمد لله إثبات كل كمال لله جل وعلا، وقوله: الله أكبر، أي: أنه مهما بالغت في التنزيه، ومهما بالغت في إثبات الكمال؛ فإنك لن تقدره جل وعلا حق قدره، كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91] .
ولذلك -يا إخوان- من قال هذه الكلمات بعد دبر الصلوات مستحضراً هذه المعاني كفرت عنه الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر، ولكن الذي يقولها دون إدراك لما تضمنته من المعاني لا يحصل له هذا الفضل.
وقال الله: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن:1] فيه تنزيه الله عز وجل عن النقص، واعلم أنه حيث ما سبح الله سبحانه وتعالى نفسه في كتابه أو جاء ذلك في السنة فالمراد تنزيه الله عز وجل عن النقص، هذا أولاً.
ثانياً: المراد أيضاً إثبات الكمال له في الصفات.
ثالثاً: نفي ما وصفه به الجاهلون، فهذه معان ثلاثة تثبت بالتسبيح، المعنى الأول: نفي النقص في صفاته، المعنى الثاني: إثبات الكمال له سبحانه وتعالى، المعنى الثالث: نفي ما وصفه به الجاهلون.
وقال الله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1] تقدم الكلام على تبارك قبل قليل، وأن معناها: تبارك وتعاظم وتقدس وكثرت بركته وخيراته.
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الفرقان:2] هذا تقدم، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ} [الفرقان:2] تقدم أيضاً {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] .
وقال الله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:91-92] يشركون أي: يسوون به غيره، فالشرك مداره على التسوية، والتسوية تكون في الأسماء والصفات، وتكون في الربوبية، وتكون في الإلهية فيما يجب له من العبادة، والله عز وجل قد تنزه وتعالى عن كل شرك في أي نوع من أنواع التوحيد.
وقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:74] هذا فيه نفي المثيل عن الله سبحانه وتعالى.
وقوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] هذا فيه أنه تنزه عن الشرك سبحانه وتعالى، وأنه حذر عباده أن يقولوا عليه -في شيء مما اتصف به، أو مما شرعه أو أي شيء مما يتعلق به سبحانه وتعالى- ما لا يعلمون، والواجب على المؤمن أن يقف في أخبار الله عز وجل وفي أحكامه على ما جاءت به النصوص.