إثبات القدرة والقوة لله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: [وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] ، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] ، وقوله: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [الكهف:39] ، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253] ، وقوله: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:1] ، وقوله: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]] .

فرغنا من الكلام على الآيات التي ساقها المؤلف رحمه الله لإثبات صفة العلم لله تعالى، وبعد فراغه من تلك الآيات ذكر الآيات الدالة على قدرة الله جل وعلا، وذلك في قوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] ، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] ، فهاتان الآيتان أثبتتا لله جل وعلا القدرة والقوة، وصفة القدرة والقوة معناهما متقارب، فالقدرة هي القوة على الفعل، وقد أثبتها أهل السنة والجماعة لله عز وجل كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وقوله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12] فيه إثبات صفة القدرة، وأنها عامة تتعلق بكل شيء.

واعلم أن القدرة تتعلق بالموجودات، فكل موجود فالله جل وعلا عليه قدير، فهي تتعلق بالممكنات، وتتعلق أيضاً بالواجبات مما يتصف به سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه وتعالى قادر على فعل نفسه قادر على غيره، وكل هذا مما ثبت في القرآن، وقد ثبت في القرآن إثبات القدرة المتعدية التي تتعلق بالخلق، وإثبات القدرة التي تختص به سبحانه وتعالى، وهي القدرة على أفعاله، فمن الأدلة على القدرة على أفعاله سبحانه وتعالى: قوله جل وعلا: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] ، فهذه الآية أفادت أن الله سبحانه وتعالى قادر على فعله، والآيات التي تثبت قدرة الله جل وعلا على فعله كثيرة.

وبهذا نفهم أن قدرة الله سبحانه وتعالى تتعلق بفعله المتعدي واللازم؛ لأن أفعال الله سبحانه وتعالى تنقسم: إلى أفعال متعدية، وأفعال لازمة، مثال للأفعال اللازمة: الاستواء الإتيان المجيء، مثال للأفعال المتعدية: الرزق الإحياء الإماتة الرفع الخفض البسط، أفعال كثيرة لا حصر لها، فهو: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] ، فالله جل وعلا قادر على هذا وعلى هذا.

بقي عندنا الممتنعات، أو المستحيلات، هل تتعلق بها القدرة أم لا؟ الممتنع هو الذي لا يمكن أن يوجد، كثبوت صفة الوجود والعدم لشيء واحد، هل يمكن أن يتصف شيء بأنه موجود وفي نفس الوقت معدوم؟ لا يمكن، فهل هذه الأمور من المحالات والممتنعات تتعلق بها القدرة؟ الجواب: لا تتعلق بها القدرة؛ لأن الممنوعات والمحالات لا تسمى شيئاً في لسان العرب؛ فهي لا تدخل في عموم قوله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الطلاق:12] ، فلا يدخل في هذا إلا الممكنات والواجبات.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ} [الذاريات:58] ، أي: صاحب القوة، والقوة أبلغ من القدرة، فالقوة هي الكمال في القدرة، (الْمَتِينُ) أي: الشديد، وهذا فيه وصف قوته بالشدة؛ فهاتان الآيتان أثبتت لله سبحانه وتعالى هاتين الصفتين، وفيه أيضاً إثبات صفة الرزق، وذلك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) وهذا تبع، لكن المقصود هو إثبات القدرة من خلال سياق هاتين الآيتين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015