قال: [ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً] .
أتى بهذه المسألة بعد ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ليعلم كل أحد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس سبيلاً ولا وسيلة للخروج على ولاة الأمر الذين ولاهم الله أمر المسلمين؛ فمن جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة يخرج بها على ولاة الأمر فقد خالف منهج أهل السنة والجماعة بل يجب أن يكون الأمر المعروف والنهي عن المنكر مع ملاحظة حقوق ولاة الأمر، وأنه لا يتخذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة وسبباً لإسقاط الحقوق الواجبة لمن ولاه الله أمر المسلمين.
[يرون إقامة الحج] أي: يعتقدون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع أمراء المسلمين، [أبراراً كانوا أو فجاراً] يعني: على أي حال كانوا من الاستقامة وعدمها؛ لأن هذه الأمور لا تستقيم ولا تصلح إلا بالاجتماع على من ولاه الله أمر المسلمين.
فالحج لابد له من إمام يقود الناس ويرتب أمورهم، وكذلك الجهاد لابد له من إمام يتبع ويؤتمر بأمره حتى ينتظم الأمر، والجمع والأعياد كذلك، وهكذا كان الأمر في السابق، حيث كان الأمراء يتولون إمامة الجمع والأعياد، فكان السلف الصالح يصلون خلف الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً.
وقد جاء حديث في الأمر بإقامة الجهاد مع كل أمير براً كان أو فاجراً في مسند الإمام أحمد، والأحاديث التي فيها وجوب صيانة الأئمة وولاة الأمر وحفظ حقوقهم كثيرة جداً؛ حتى إن هذا الأمر أصبح من سمات أهل السنة والجماعة خلافاً لغيرهم كالرافضة الذين يرون الخروج على الأئمة بسبب الظلم، ويوافقهم على ذلك المعتزلة والخوارج، فهؤلاء طوائف يرون أن الإمام إذا ظلم أو جار كان ذلك سبباً للخروج عليه وتفسيقه والوقيعة فيه خلافاً لأهل السنة والجماعة؛ فإنهم يعملون بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر عن تغير الأمور، وأخبر أصحابه في عهده عليه الصلاة والسلام وقال: (إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها، قالوا: فبماذا تأمرنا يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -الناصح الأمين-: أدوا الحق الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم) .
فالواجب على المؤمن أن يؤدي الحق الذي عليه من السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، وأما ما له من حقوق فلا يجوز له أن يتظلم بالوقيعة، أو أن يخرج بقول أو فعل بل الواجب عليه أن يصبر، وأن يسأل الله حقه.