قال رحمه الله: [ويحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي) ، وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفوا بني هاشم فقال: (والذي نفسي بيده! لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) ] .
بعد أن فرغ المؤلف من بيان فضيلة الصحابة، وما لهم من فضل وحق، وعقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك؛ انتقل إلى بيان حق آل البيت، واعلم أن أهل السنة والجماعة أهل عدل وإنصاف وعلم، فهم لا يتكلمون إلا بالعلم والعدل، وبهذين الأمرين يحصل الخير لكل أحد، العلم يأمن به الإنسان من الجهل؛ والعدل يأمن به من الظلم، وهذان الأمران مصدر كل شر، مصدر كل شر في الأقوال والأعمال والعقائد الجهل أو الظلم؛ ولذلك ينبغي للإنسان أن يحرص على الاتصاف بهذين الوصفين -العلم والعدل- في قوله وعمله وعقيدته وسائر شئنه، وليعلم أن الإنسان في أصله مجبول على ذينك الوصفين كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] ، هذا وصف لجنس الإنسان، ولا خروج له من هذين إلا من طريق الكتاب والسنة، فبقدر استمساكه بهما وعمله بهما وأخذه بهما وإقباله عليهما؛ بقدر ما يسلم من هذين المحظورين.
فلما كان أهل السنة والجماعة أهل علم وعدل خلافاً لغيرهم من الطوائف فإنهم يعطون كل ذي حق حقه؛ ولذلك هم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يحبونهم محبة قلبية زائدة على محبة الصحابة، فأهل البيت لهم حق الإسلام، ولهم حق القرابة، ولهم حق زائد وهو حق الصحبة إن كانوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك هم يحفظون حقوق أهل البيت كما قال المؤلف: [ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم] .
خلافاً لطريق النواصب الذين يعادون آل البيت ويذمونهم ويسبونهم.
قال: [ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: (أذكركم الله في أهل بيتي) ] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غدير خم: (تركت فيكم ثقلين: كتاب الله فيه الهدى والنور - ورغب في كتاب الله - ثم قال: وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي) كررها ثلاثاً صلى الله عليه وسلم.
وتقدم لنا أن الثقلين جمع ثقل، والثقل هو كل ما له قيمة وشرف ومنزلة، فأهل البيت لهم قيمة وشرف ومنزلة؛ ولذلك أوصى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أذكركم الله في أهل بيتي) ، أي: فيما يجب لهم من الحقوق، ومن حقوقهم الصلاة عليهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك نقول في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد الصلاة الإبراهيمية، فهذا من حقوقهم.
ومن حقوقهم: أن يعطوا الخمس من المغنم.
ومن حقوقهم: الفيء.
ومن حقوقهم: الإكرام والتقدير والمحبة لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهل السنة والجماعة يحفظون حقوق هؤلاء، لكن لا يغلون فيهم، ويلغون فضائل غيرهم بكونهم قرابة رسول الله، فـ علي رضي الله عنه نحبه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبلائه وصحبته، ولكن هذا الفضل لا يلغي فضل غيره من الصحابة الذين هم خير منه ك أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عن الجميع.
فالمفاضلة بين الناس بحاجة إلى هذين الوصفين اللذين تقدم الإشارة إليهما، وهما: العدل والعلم، حتى في المفاضلة بين المعاصرين أو أي أمر يفاضل فيه الإنسان ويحتاج أن يقول: هذا أفضل من هذا، فعليه أن يتكلم بعلم وعدل، وكلما اتصف بهما كلما أصاب الحق، وكلما قل وصفه بهما كلما جانب الصواب.
قال النبي عليه الصلاة والسلام للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفوا بني هاشم: (والذي نفسي بيده! لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) ، هذا الحديث بين أن آل البيت لهم حق خاص لله، والمحبة لله هي عامة لكل مسلم، فكل مسلم يحب لله، ولكن هؤلاء اختصوا بهذه الخاصية وهي قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم من محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.