ثم قال: [وهم مع ذلك] أي: مع إقرارهم بما تقدم من أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر.
عندنا في كلام المؤلف رحمه الله في هذا الفصل مطلق الشيء والشيء المطلق.
مطلق الشيء: هو أدنى وصف منه، فمطلق المعاصي المراد به أدنى معصية، يعني: كل ما يكون مندرجاً في المعاصي، وكذلك مطلق الكبائر يعني: أي كبيرة من الكبائر.
وأما الشيء المطلق: فهو منتهى الشيء وكماله، فالشيء المطلق عام، ومطلق الشيء أقل ما يصدق عليه هذا الاسم، فالمؤلف رحمه الله يقول: لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، يعني: لا يكفرون بالكبيرة ولا بالمعصية، يعني: بمجرد الكبيرة وبمجرد المعصية، فإن الكبائر والمعاصي ليست سبباً لإثبات اسم الكفر ولا حكم الكفر.
قال: [وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر] .
والمراد بأهل القبلة هنا: من انتسب إلى الإسلام، ويشمل ذلك جميع فرق أهل الإسلام على اختلافها، من الثنتين وسبعين فرقة دون الفرقة الناجية، فهم كلهم من أهل القبلة، وهذا الاسم له شاهد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وصلى صلاتنا، فذاك المسلم؛ له ما لنا، وعليه ما علينا) ، والحديث في الصحيح، فكل من كان من أهل الإسلام فإنه من أهل القبلة، وإنما أضيف الأمر إلى القبلة؛ لأنها التي يجتمع عليها أهل الإسلام على اختلاف طوائفهم واختلاف عقائدهم، فهي محل اجتماع أهل الإسلام، فأهل السنة لا يكفرون أهل القبلة المسلمين بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج ومن سار على طريقهم كالمعتزلة، وإنما ذكر الخوارج؛ لأنهم أبرز الفرق التي اشتهرت بهذا، وإلا فالمعتزلة يوافقونهم في إخراج المسلم من دائرة الإسلام بمطلق الكبيرة وبمطلق المعصية، ولكن الخوارج اشتهروا بهذا أكثر من غيرهم، وكفروا الصحابة رضي الله عنهم.