قال رحمه الله: [وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] ، وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] ، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10]] .
مسألة الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية من المسائل الكبيرة التي اختلف فيها المختلفون، وهدى الله فيها أهل السنة والجماعة إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، الإيمان يزيد وينقص هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد تواطأت عليها عبارات السلف، ودل عليها الكتاب والسنة، وأجمع عليها الصحابة وسلف الأمة، وقد خالف في ذلك المعتزلة والخوارج والمرجئة، فالمعتزلة والخوارج قالوا: لا يزيد ولا ينقص، فنفوا الزيادة والنقصان وقالوا: الإيمان شيء واحد لا يتفاضل، فإذا وجد وجد جميعاً، وإذا سلب سلب جميعاً، هكذا زعموا! وأما المرجئة فالإيمان عندهم شيء واحد إلا أن منهم من يقول: الإيمان يزيد فقط، أما النقص فلا ينقص! والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات الزيادة والنقص للإيمان، أما الزيادة فقد ورد ذكرها وإقرارها والنص بها في كتاب الله عز وجل في مواضع عديدة، من ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2] ، ومنه أيضاً قوله سبحانه وتعالى فيما أخبر عن المنافقين: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة:124] ، والأدلة على زيادة الإيمان كثيرة.
وأما السنة فمن الأدلة الواضحة على زيادة الإيمان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) فجعل من الشعب ما هو عالي، ومن الشعب ما هو دون العالي، فجعل للإيمان أعلى وأدنى، فأدلة زيادة الإيمان في الكتاب والسنة وكلام السلف ثابتة بما لا مجال لإنكاره.
وأما النقصان فإنه لم يصرح به في كتاب الله عز وجل، ولم يرد هذا اللفظ في كتاب الله عز وجل، ولكن من لازم الزيادة أن يكون هناك تفاضل في الإيمان.
وأما السنة فقد ورد ذلك في أحاديث عديدة كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) ، فدل ذلك على أن الزنا وما ذكر من المعاصي في هذا الحديث سبب لنقصان الإيمان؛ لأن نفي الإيمان دليل على نقصه، ولو لم يكن هذا العمل مؤثراً نقصاً في الإيمان لما كان لنفيه وجه، ويدل عليه صريحاً أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم في النساء: (ناقصات عقل ودين) ، ونقصان الدين فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (تترك الصلاة والصيام أياماً) ، فدل ذلك على أن الإيمان ينقص؛ لأن الدين يشمل الإيمان والإسلام والإحسان.