قال رحمه الله: [والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم] .
قال رحمه الله: [والصراط منصوب على متن جهنم] .
الصراط في اللغة فعال بمعنى: (مفعول) ، أي: مصروط، وهو ما يطرق ويسار عليه، فالطريق المسلوك يسمى صراطاً، وقد أخبرت السنة بالتواتر أن الناس يمرون على الصراط يوم القيامة.
قال المؤلف رحمه الله في بيان الصراط: [منصوب على متن جهنم] أي: على ظهرها، فالمتن هنا هو الظهر، أي: أنه على جهنم.
وأما صفة هذا الصراط فقد جاء في الحديث: (دحض مزلة) ، وجاء في حديث آخر: (أحد من السيف وأدق من الشعرة) ، وهذا الاختلاف في الوصف -إن ثبتت الرواية الثانية- هو اختلاف باعتبار أحوال الناس، فإن الناس يوم القيامة يختلف حالهم باختلاف أعمالهم؛ ولذلك يكون منهم المسرور ويكون منهم الشقي، مع أنهم في موقف واحد، والأمر عليهم واحد فيما يظهر، ولكنه يختلف باختلاف أحوالهم، فمن جاء آمناً يوم القيامة {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:38] ، ومن جاء مسيئاً مثقلاً بالذنوب فيدعو بالويل والثبور.
فإن ثبت الوصف الثاني فإنه يكون باعتبار اختلاف أحوال الناس؛ لأن الوصف الأول مفاده سعة هذا الصراط، وهو ما يفيده اللفظ، فالصراط يطلق على الطريق الواسع المسلوك.
وأما الوصف الثاني -وهو أنه أحد من السيف وأدق من الشعرة- فهذا جاء به الأثر، فإن كان محفوظاً فالمراد اختلاف أحوال الناس كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم، ولا تسأل كيف يكون كذا ويكون كذا والسالكون عليه أمرهم واحد؟! فإن أمور الآخرة لا تدركها العقول، لا تدرك حقائقها وكيفياتها عقول الناس، بل يجب الإيمان بذلك كما أخبرت به النصوص كسائر أمور الغيب.
يقول رحمه الله: [وهو الجسر أو الجسر -بالكسر والفتح- الذي بين الجنة والنار] .
أي: الذي لا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا بعبوره، وإلا فهو مضروب على متن جهنم، والذي بين الجنة والنار هو القنطرة التي يحبس عليها أهل الأعراف، والجسر مضروب على جهنم نفسها، فمراد المؤلف رحمه الله بقوله: [الذي بين الجنة والنار] يعني: الذي لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا من طريقه.