الرد على استدلال منكري عذاب القبر بآية سورة فاطر

ومما استدلوا به قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22].

فقالوا: إن الله عز وجل نفى أن يكون أحد يسمع من في القبور.

ولو كان أهل القبور أحياء ويعذبون وينعمون لسمعوا.

وهذا المعنى باطل؛ لأنه لا يلزم من وجود الحياة وجود السمع.

فبعض الأحيان قد ينام النائم بجانبك وتتكلم أنت مع شخص آخر وهو لا يسمع مع أنه حي قطعاً.

وبعض الأحيان لا يسمع الإنسان لبعد مكانه.

فمثلاً: من يعيش الآن في المغرب الإسلامي لا يسمع كلامنا الذي نتكلمه.

فعدم السماع ليس دليلاً على عدم الحياة.

والله عز وجل لما خلق الخلق وخلق الحياة الدنيا جعل لها طبيعة خاصة بها، وجعل للبرزخ طبيعة خاصة به، وجعل للحياة الآخرة طبيعة خاصة بها.

وجعل بين هذه الثلاث فروقاً وحواجز.

ومسألة هل الأموات في قبورهم يسمعون أو لا يسمعون مسألة مشهورة عند أهل العلم، اختلف فيها أهل العلم بناءً على الأدلة الواردة فيها.

وقد كان اختلاف السلف رضوان الله عليهم في هذه المسألة اختلافاً بسيطاً لا يترتب عليه ما رتبه عليه أهل البدع، وذلك لوجود أدلة تنفي السماع وأخرى تثبته؛ ولهذا أعدل الأقوال في هذه المسألة هو ألا يقال: إنهم يسمعون مطلقاً، أو لا يسمعون مطلقاً.

وإنما يقال: إنهم يسمعون في ما ورد النص فيه بأنهم يسمعونه، كرد السلام مثلاً، وكأهل قليب بدر لما وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً.

قالوا: يا رسول الله! تكلم جيفاً قد بليت؟ قال: ما أنتم بأسمع لكلامي منهم، لكنهم لا يجيبون).

ووردت أيضاً بعض الأحاديث التي تدل على أن بعض الموتى يسمعون.

ولكن هذا لا يعني أن هذا السماع سماع مطلق.

وهذا هو الصحيح من كلام أهل العلم.

ثم جاء أهل البدع ورتبوا على هذه المسألة أمرين: الأمر الأول: أن بعضهم أنكر عذاب القبر ونعيمه؛ لظنهم بأنهم لا يسمعون.

وليس في هذا أي وجه لنفي عذاب القبر.

وإذا افترض أنهم لا يسمعون فهذا لا يعني أنهم لا يعذبون في قبورهم، فقد يكون بيننا وبينهم حاجز فلا يسمعون، كحاجز البعد مثلاً، وهكذا.

وجاءت طائفة أخرى من أهل البدع أثبتوا أنهم يسمعون ورتبوا على ذلك أنه يستغاث بهم، ويدعون من دون الله، فاصبحوا يقولون: مدد يا فلان، أو يقولون: إن فلاناً يشفع لنا عند الله عز وجل.

ونحو ذلك من الشركيات.

وليس بين هذا وذاك أي ارتباط.

فإنهم إذا سمعوا في قبورهم فهذا لا يعني بالضرورة أنهم لا بد أن يدعوا ويستغاث بهم!! بل لو كانوا أحياءً في الدنيا لما جاز أن يدعوا فكيف إذا كانوا أمواتاً في القبور؟!! فإذا قيل: إنه في قبره له علاقة بالدار الآخرة، قلنا: وإذا كان له علاقة بالدار الآخرة فلا يلزم من هذا أن يُستغاث به ويطلب منه المدد، ونحو ذلك؛ لأن هذا من الشرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015