قال المؤلف رحمه الله: [وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية].
والجبرية: هم الذين يقولون: إن العبد مجبور على فعل نفسه، وأنه كالريشة في مهب الريح، وأنه ليس مختاراً في أفعاله التي يقوم بها، وإنما هي أفعال الله عز وجل ألزم العباد بها، فيرون أن كفر العبد وعصيانه معذور فيهما؛ لأنهما ليسا باختياره ورغبته، وإنما هو مجبور من الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وهؤلاء الجبرية هم: جهمية؛ لأن جهم بن صفوان ضل في أكثر من باب في العقيدة، فقد ضل في الأسماء والصفات، فنفى أسماء الله وصفاته جميعاً، وضل كذلك في القدر فاعتقد الجبر، وقال: إن العبد مجبور على فعل نفسه.
ومن الجبرية كذلك الأشاعرة، فإنهم يقولون: إن العبد كاسب لفعله، وأنه ليس له فعل في الحقيقة، ويمثلون لاقتران فعل الله عز وجل بفعل العبد: بحال رجل قوي يحمل صخرةً كبيرة وهذه الصخرة الكبيرة يستطيع حملها وحده، فلو جاء رجل آخر ووضع يده معه، فإن هذا الرجل الآخر لو رفع يده لاستطاع الأول أن يحملها، ولكنه شاركه فسمي حاملاً للحجر.
فيقولون: إن الله عز وجل خلق فعل العبد، والعبد سيفعل هذا الفعل شاء أم أبى، وقد سمي هذا العبد فاعلاً؛ لأن الفعل وقع منه، فسموه كسباً، وهم في الحقيقة لا يثبتون فعلاً للعبد.
والإيجي من الأشاعرة يقول في كتابه المواقف من علم الكلام: الجبرية نوعان: جبرية خالصة، وهم الجهمية الأولى، وجبرية متوسطة وهم: الأشاعرة.
قال المؤلف رحمه الله [وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية].
والقدرية قالوا: إن الله عز وجل ليس له أي علاقة -لا من قريب ولا من بعيد- في أفعال العباد، وأن العباد يخلقون أفعالهم كما يشتهون والله عز وجل لا يعلم بفعل العبد إلا بعد أن يقع، وهذا لاشك أنه ضلال مبين والقدرية معتزلة والمعتزلة ضلوا في بابين من أبواب العقيدة أو أكثر.
الباب الأول: باب الصفات.
والباب الثاني: باب القدر.
فالعلماء سموهم قدرية؛ لأنهم ضلوا في هذا الباب، وإلا فهم معتزلة في الحقيقة.
والحق: هو منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وهو كالآتي: إن الله عز وجل خالق لكل شيء، ولا يحدث شيء في الكون إلا وقد علمه الله عز وجل قبل أن يحدث ثم أراده ثم خلقه بعد ذلك.
ويثبتون: أن للعبد فعلاً، وأن هذا الفعل بمشيئته وإرادته واختياره ويفسرون ذلك: بأن الله عز وجل خلق للعبد إرادة يختار بها ما يشاء، فإذا أراد العبد إرادة معينة خلقها الله عز وجل له، فكان الفعل، فأصبح الفعل من خلق الله، وبإرادة العبد في نفس الوقت، فإذا كان أمام العبد أمران: فعل، أو ترك، فإنه يختار ما يشاء، فهو قادر على الفعل ومستطيع له قبل أن يفعله وهو كذلك قادر على الترك بمحض الإرادة التي خلقها الله عز وجل له فإذا فعل الفعل أو تركه، فالفعل الذي فعله وقع باختياره وإرادته من غير إكراه، وفي نفس الوقت هذا الفعل الذي فعله ليس من خلق العبد.