قال المؤلف رحمه الله: [فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة].
فأهل السنة والجماعة يثبتون أسماء الله عز وجل وصفاته، وينفون عنها مشابهة المخلوق وهذا وسط.
والمشبهة والممثلة أفرطوا في الإثبات، فأوصلهم هذا الإفراط إلى التشبيه والتمثيل فقالوا: إن يد الله كأيدينا، وعين الله كأعيننا، وأن الله عز وجل يتكلم كما نتكلم، وإنه سبحانه وتعالى مثلنا تماماً، ولهم كلام شنيع في هذا الموضوع، وأول فرقة من فرق المشبهة الذين شبهوا الله عز وجل بخلقه هم الشيعة، وكان هشام بن الحكم الرافضي مشبهاً مشهوراً، ثم بعد ذلك ترك الشيعة التشبيه وتأثروا بمناهج المعتزلة، وصاروا ينفون صفات الله عز وجل كالمعتزلة، ومن يراجع كتاب التوحيد لـ ابن بابويه القمي -وهو من أئمة الشيعة المشاهير- يجد أنه كان على منهج المعتزلة تماماً.
وأما الفئة الأخرى -وهم الجهمية- فقد فرطوا، فلم يثبتوا شيئاً، ولهذا يقول السلف: الجهمي يعبد عدماً والمشبه يعبد صنماً، ولما قيل لـ جهم بن صفوان: ما هو إلهك؟ قال: هو هذا الهواء بدون اسم ولا صفة.
والجهمية هم أتباع الجهم بن صفوان، وكان ظهوره في القرن الثاني الهجري، ولم يكن معروفاً بالعلم، ولا جلس في حلقاته، ولا درسه على أصوله الصحيحة، وقد التقى بطائفة من الهنود يسمون: السمنية، وكانوا ينكرون الأمور الغيبية ويثبتون الحسيات، فلما التقى بهم ناقشهم في الله فقالوا له: أين ربك؟ هل هو شيء رأيته؟ قال: لا قالوا له: فهل شممته أو ذقته أو لمسته؟ قال: لا قالوا: إذاً ليس هناك شيء، فجلس في بيته أربعين يوماً لا يصلي، ثم خرج على الناس وقال: إن ربي هو هذا الهواء ليس له اسم ولا صفة، فلما هلك جهم جاء بعده بشر المريسي، ثم جاء بعدهما ابن أبي دؤاد الذي تزعم فتنة خلق القرآن، وكان من المعتزلة، فأصبحت الجهمية كما يقول العلماء ثلاث درجات: الجهمية الأولى: وهم أتباع جهم بن صفوان وهؤلاء ينفون أسماء الله وصفاته بالكلية بجميع أنواعها.
والجهمية الثانية: وهم المعتزلة وهؤلاء يثبتون أسماء الله وينفون صفاته، ويجعلون أسماء الله عز وجل أعلاماً محضة ليس لها أي دلالة.
والجهمية الثالثة: وهم الأشاعرة والماتريدية فالأشاعرة جهمية؛ لأنهم ينفون صفات الله عز وجل الخبرية والاختيارية ولا يثبتون إلا سبع صفات فقط ويسمونها: صفات المعاني.
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً سماه: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، رد فيه على الأشاعرة، فقد رد فيه على الرازي، وهو أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين في كتابه: أساس التقديس، فسمى شيخ الإسلام الأشاعرة جهمية.
وكل من عطل الصفات سواءً عطلها جميعها أو بعضها فهو من الجهمية.
والجهمية يتفاوتون ما بين غال كـ جهم بن صفوان الأول، وأقل غلواً كالأشاعرة.