والحقيقة: أن كون هذه الأمة أمةً وسطاً يشمل ذلك كله فأهل السنة هم أعدل الناس، وهم أهل العدل وأهل الميزان المستقيم والصراط غير المعوج، وعامة الفرق الضالة ليس عندهم عدل فتجدهم يكفر ويفسق بعضهم بعضاً بالهوى، ولمجرد المخالفة الشخصية، بينما أهل السنة والجماعة لا يتبعون أهواءهم، وإنما يتبعون الدليل والسنة وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي ميزهم عن كثير من الفرق الضالة المنحرفة، فنجد أن المعتزلة مثلاً: كما يقول: أبو المظفر السمعاني رحمه الله في كتابه الانتصار لأهل الحديث: (إن ميزة أهل السنة: الجماعة، وميزة أهل البدع: الفرقة والاختلاف) ويقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام: (والتفرق من أخس أوصاف المبتدعة) ويذكر أن البغداديين من المعتزلة يكفرون البصريين، والبصريون يكفرون البغداديين وأن الرجل يكفر أباه، والأب يكفر ابنه، فـ أبو علي الجبائي يكفر أتباع أبي هاشم، وأتباع أبي هاشم يكفرون أتباع أبي علي، والذي يحكم بينهم بالعدل هم أهل السنة والجماعة.
ولهذا أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل دائماً، وأمثلة العدل في السنة النبوية وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً حتى مع اليهود والنصارى والمخالفين؛ لأن الظلم محرم حتى مع الكفار، فالظلم محرم في ذاته وقبيح حتى مع الكفار ونحن أمة العدل، ولا يجوز للإنسان أن يظلم أحداً، ولا يجوز للمسلم إذا كره فرقةً من الفرق أن يكيل لها الاتهامات.
ونحن نكرههم بحق ولا نكرههم بباطل وهوى، إلا أنه لا يجوز لنا أن نكيل لهم الاتهامات وبعض الناس إذا غضب يكيل الاتهامات، جزافاً ويرميها رمياً، وليس هذا هو منهاج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وإنما منهجهم هو التحري والدقة فيما ينسب إلى الأشخاص، ونقد من وقع منهم في البدعة، ومعرفة حجم البدعة التي وقع فيها، وإعطاؤها حقها، وعدم المبالغة أو النقصان فيها، فهذا هو الميزان العادل، فمثلاً: لا يأتي إنسان إلى بدعة مثل: الذكر الجماعي فيجعله أم المصائب جميعاً، ويكفر من يقع فيه فهذا لا يجوز؛ لأن هذه البدعة لا توصل إلى الكفر، وإن كانت بدعة ولكنها لا توصل إلى الكفر.
وكذلك لا يجوز له أن يأتي إلى بدعة الشيعة الذين يسبون أبا بكر وعمر، ويكفرونهما ويلعنونهما، ويحجون إلى القبور، ويستغيثون بأهلها فيهون من شأنها ويقلل من الخلاف مع الشيعة، ويقول: إن خلافنا مع الشيعة هو خلاف فرعي، كخلاف الحنابلة مع الشافعية، فهذا باطل لا يجوز.
فينبغي على الإنسان أن يكون قواماً بالقسط، وصاحب ميزان معتدل وصحيح ودقيق، وأن يكون بعيداً عن كيل الاتهامات لكل أحد، حتى ولو كان مبتدعاً؛ فإن البدعة نفسها درجات، فهناك بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة.
الواقعون في البدعة أنواع: نوع يدعو إلى بدعته ومتشبث بها.
ونوع لا يدعو إلى بدعته.
لكل واحد حالة ونمط من التعامل يختلف على النمط الآخر، وهكذا ينبغي للإنسان أن يكون عادلاً.