والوسطية لها ثلاثة معانٍ: العدل والخير والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط.
أما العدل فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، في تفسير سورة البقرة، في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفي آخره: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الوسط: العدل).
وأما الخيرية فإن الوسط في لغة العرب: تطلق على الخير فإذا قيل: هذا أوسط القوم، يعني: أعقلهم وأكثرهم معرفةً وإدراكاً، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم:28]، في قصة أهل البستان الذي أحرقه الله سبحانه وتعالى في سورة القلم، قال تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:28].
والمقصود: بأوسطهم: يعني: أعقلهم وأخيرهم وأحسنهم وأفضلهم، وكوننا أمةً وسطاً، يعني: من خير الأمم فنحن من ناحية التاريخ آخر الأمم ومن ناحية الخيرية خير الأمم.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا) أي: نحن الآخرون زمناً، والأولون مكانةً يوم القيامة.
وأول زمرة تدخل الجنة هم من هذه الأمة وروي أنهم: المهاجرون فيدخلونها ويتمتعون فيها قبل الناس بأربعين سنة كما روي ذلك في بعض الأحاديث المرفوعة.
وأما كوننا خير أمة، فهذا كما قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، فقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، تفسر قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] والقرآن كما تعلمون يفسر بعضه بعضاً وأفضل التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن؛ لأن الله عز وجل أعلم بمراد نفسه سبحانه وتعالى.
وأما المعنى الثالث وهو: الوسط، بمعنى: المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وقد رجحه بعض أهل العلم، فمن رجحه من المتقدمين ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية، ومن المتأخرين: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الكتاب.