وأما بالنسبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد اختلف أهل السنة في رؤيته لربه في الدنيا بعينيه حقيقة، فروي عن ابن عباس أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه).
وروي عن أبي ذر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه؟!).
وروي عن بعض الصحابة أنهم أنكروا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه التي في رأسه، ومنهم عائشة رضي الله عنها عندما سئلت: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بعينيه؟ فقالت: لقد وقف شعري مما قلت، أو قالت -كما في رواية أخرى-: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الدنيا فقد أعظم على الله الفرية.
يعني: الكذبة.
والتحقيق في هذه المسألة هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينيه التي في رأسه على الصحيح، وما روي عن ابن عباس من إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا بعينيه روي مطلقاً ومقيداً، فالرواية المطلقة قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه)، وأما المقيدة فقوله: (إنه رآه بقلبه).
والقاعدة هي: أنه إذا وردت نصوص مطلقة ونصوص مقيدة، فإنه يحمل المطلق على المقيد.
فيكون معنى رأى ربه بهذا الإطلاق: رأى ربه بقلبه، كما في الرواية المقيدة.
فالصحيح في هذه المسألة هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الله عز وجل بعينيه في الدنيا.
وما روي عن ابن عباس فيها يحمل المطلق فيه على المقيد، وهذا هو تحرير شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لهذه المسألة، وهو تحرير رائع وممتاز، وفيه جمع للأقوال، فيصبح حينئذ الخلاف في هذه المسألة خلافاً لفظياً، وإذا وجد خلاف حقيقي في هذه المسألة فهو من الخلاف الذي يعذر الإنسان فيه.
والخلاف ينقسم إلى قسمين: خلاف تنوع، وخلاف تضاد.
وخلاف التضاد ينقسم إلى قسمين: خلاف تبنى عليه الموالاة والمعاداة: مثل الخلاف في أصول العقائد، وما أجمع عليه أهل السنة.
وخلاف يعذر صاحبه ويؤجر عليه إذا كان مخطئاً أجراً واحداً، أو يكون له أجران إذا كان مصيباً، كما في قاعدة: المجتهد المخطئ والمصيب، وهي معروفة.