والمعية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: معية عامة، وهذه المعية العامة تكون للمخلوقات جميعاً، تكون للبر والفاجر والمؤمن والكافر، والصالح والطالح، تكون لجميع المخلوقات.
ومن الأدلة على هذه المعية قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]، فهذه الآية تدل على أن الله عز وجل مع كل المخلوقات بعلمه وقدرته سبحانه وتعالى.
القسم الثاني من المعية: المعية الخاصة، وهذه المعية الخاصة هي معية الله عز وجل مع المؤمنين، يمثل هذه الآية قوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] وقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] وغيره من الآيات التي تدل على هذا.
وبعض العلماء الذين شرحوا هذه العقيدة قسموا المعية الخاصة إلى قسمين، فقالوا: إن المعية تنقسم إلى قسمين: معية مطلقة، وهي المعية العامة، ثم المعية الخاصة، ثم قسموا الخاصة إلى قسمين: معية لوصف، ومعية لشخص، فالمعية التي تكون للوصف هي مثل قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} [النحل:128] فالذين اتقوا، هنا وصف، يشمل فلاناً وفلاناً وفلاناً من المتقين في كل زمن وفي كل مكان.
وأيضاً كقوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، والصبر: وصف، يشمل أعداداً كبيرة من الناس الذين يتحقق فيهم هذا الوصف، وكقوله: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249]، وهذه المعية أيضاً هي معية الوصف أيضاً، وأما المعية المتعلقة بالشخص فهي مثل قول الله عز وجل: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] قال ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر كما يدل على ذلك سياق الآية من بدايتها، وكقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، والمقصود بالضمير في قوله: (معكما): مع موسى وهارون، فهي معية متعلقة بشخص.
والحقيقة: أن المعية الخاصة تشمل معية الوصف، وهو الأصل في هذه المعية الخاصة، ثم المعية التي تكون مقيدة بشخص هي ناتجة عن تلك المعية، وهما بمعنى واحد.
فالمعية المطلقة معناها: أن الله عز وجل مع كل المخلوقات بعلمه، فلا يكون في هذا الكون شيء لا يعلمه الله، وهو مع هذه المخلوقات بقدرته، فلا يكون في هذه المخلوقات شيء لا يقدر عليه الله، وهو مع هذه المخلوقات بسلطانه، فلا يمكن أن يوجد شيء ليس لله سلطان عليه، فكل شيء الله عز وجل قادر عليه، وهو عالم به.
وأما المعية الخاصة فهي تتضمن المعنى الذي في المعية العامة وزيادة، وهذه الزيادة هي النصرة والتأييد والإحاطة والعناية والتوفيق والتسديد ونحو ذلك.
إذاً: المعية الخاصة تتضمن ما في المعية العامة من المعاني؛ فهي تشمل أن الله عز وجل يعلم كل شيء، وأن الله قادر عليه، وأنه من سلطان الله الذي يتصرف فيه كيفما يشاء، ومن كانت له معية خاصة يزاد على ذلك أن الله ينصره، وأن الله مؤيده، وأنه مسدد ونحو ذلك.