حكم إثبات الشمال لله عز وجل

هناك مسألة متعلقة بصفة اليدين لله عز وجل، وقد ورد فيها أحاديث، ومنها: أن الله عز وجل يقبض السموات بيده اليمنى، ويقبض الأرضين بشماله، وورد في بعض الألفاظ بيساره.

وورد في أحاديث أخرى أن الله عز وجل له يدان وكلتا يديه يمين، فهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم على قولين: القول الأول: لله يد يمين وله يد أخرى يسار أو شمال، وهذا القول قال به الدارمي رحمه الله في رده على بشر المريسي، وهو كتاب معروف ومشهور، وقال به أيضاً أبو يعلى الفراء الحنبلي في كتابه إبطال التأويلات، وقد طبع من هذا الكتاب جزأين، وأصل هذه الكتاب هو في الرد على تأويلات ابن فورك، فله كتاب في بيان مشكل الحديث، فقد استعرض ابن فورك الأحاديث التي ذكرها ابن خزيمة في كتاب التوحيد حديثاً حديثاً وأولها، فرد عليه أبو يعلى في كتاب (إبطال التأويلات) وينقل عنه شيخ الإسلام كثيراً، وهو محقق في جزأين، ولم يكتمل طبعه بعد.

وأيضاًَ ممن يرى هذا الرأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، ففي آخر باب من أبواب كتاب التوحيد قال: فيه إثبات الشمال لله سبحانه وتعالى.

وممن قال بهذا صديق حسن خان الهندي العالم المعروف ملك بهوبال، له كتاب اسمه (قطف الثمر في عقائد أهل الأثر)، أثبت فيه هذا المعنى.

ومنهم كذلك شارح العقيدة الواسطية الشيخ محمد خليل الهراس.

ومنهم الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله تعالى في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري.

واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين بشماله) فهذا الحديث فيه ذكر الشمال.

الدليل الثاني: وردت أحاديث كثيرة في وصف إحدى يدي الله عز وجل باليمين، وهذا يقتضي أن الثانية يسار أو شمال، فمن هذه الأحاديث -مثلاً- ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة).

ومن ذلك أيضاً حديث أبي هريرة في البخاري ومسلم: (ويطوي السماء بيمينه)، وحديث آخر وفيه: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيباً فإن الله يقبضها بيمينه)، فهذه الأحاديث فيها وصف لإحدى يدي الله عز وجل باليمين، وهذا يقتضي أن الأخرى ليست يميناً فتكون شمالاً.

القول الثاني: لله عز وجل يدان وكلتا يديه يمين، وهذا قول ابن خزيمة رحمه الله في كتابه التوحيد، وقول البيهقي، وقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، واستدلوا على ذلك بدليلين: الدليل الأول: ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين).

الدليل الثاني: ما رواه ابن أبي عاصم في كتابه السنة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، والآجري في الشريعة وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين)، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني.

ويبدو -والله تعالى أعلم- أن الصحيح هو أن لله عز وجل يدين، وكلتا يديه يمين.

وأما الروايات التي ورد فيها أنه يطوي الأراضين بشماله، فيبدو أنها روايات بالمعنى من أحد الرواة.

فالصحيح أن لله يدين، وأن كلتا يديه يمين، ولا ينبغي أن توصف اليد الأخرى بأنها شمال أو يسار، وما ورد من أحاديث فيها أنها شمال أو يسار فيبدو والله تعالى أعلم أنها ضعيفة، كما في الحديث الذي في صحيح مسلم أنه قال: (ثم يطوي الأرضين بشماله)، فقد روى هذه الرواية عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر، وقد خالف فيها من هو أوثق منه، فهي رواية شاذة أو رواية بالمعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015