ثم ظهر بعدهم بزمن أبو الحسن الأشعري وقد كان في بداية أمره على طريقة المعتزلة، وكان تلميذاً لـ أبي علي الجبائي وهو من أئمة المعتزلة، وكان أبو علي الجبائي زوجاً لأم أبي الحسن، فرباه على عقيدة المعتزلة قرابة أربعين سنة، فلما عرف فسادها خرج إلى الناس وقال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا فلان بن فلان كنت أقول بكذا وكذا وكذا، يعني: من عقائد المعتزلة وأنا أنخلع منها كما أنخلع من قميصي هذا، فانخلع من عقيدة المعتزلة ورد عليهم بمصنفات كثيرة.
ولما خرج أبو الحسن الأشعري من المعتزلة وجد أمامه الذين يردون على الأشاعرة في اتجاهين: الاتجاه الأول: اتجاه أهل السنة المتمثل في الإمام أحمد ومن كان معه.
الاتجاه الثاني: اتجاه الكلابية، ولحبه لعلم الكلام، ولطول اشتغاله بهذا العلم تبنى عقيدة الكلابية وألف في هذه الفترة كتاباً سماه: اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، ويقصد بهم: المعتزلة.
وهذا الكتاب الذي يقرؤه يتبين له أن أبا الحسن الأشعري على عقيدة الكلابية بشكل واضح، وأظنه في هذه الفترة ألف كتاب: استحسان علم الكلام، ورد على المعتزلة بردود كثيرة جداً، ثم تبين لـ أبي الحسن الأشعري أن عقيدة الكلابية خطأ وأنها ليست صحيحة، فرجع عنها وألف كتاب: الإبانة عن أصول الديانة، ومقالات الإسلاميين، ومن ضمنها: مقالة عبد الله بن سعيد بن كلاب ذكرها ثم بعد ذلك قال: وأما قول أهل السنة والحديث وهم أتباع الإمام أحمد فإنهم يقولون: وذكر عقيدتهم ثم قال: وبقولهم نقول، فدل هذا على أن كتابه مقالات الإسلاميين دليل على أنه رجع عن عقيدة الكلابية إلى عقيدة أهل السنة، وهذا الرجوع لا يثبته الأشاعرة ولا يعترفون به ولا يقرون به مع وضوحه في كتاب مقالات الإسلاميين.