فإنه ما سلم عبدٌ في دينه؛ إلا إذا انقاد لله بالتصديق وإخلاص العبادة، وانقاد للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتصديق والمتابعة، ومن عارض النصوص بعقله فليس عابدا لله تعالى، ولا متبعا لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل متبع لهواه، قال الله تعالى: ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ)) [النجم: 23] وكل أهل الباطل ينطلقون من هذين الأصلين: الظن، أو الهوى.
فمذاهبهم مبنية على الظنون، والخَرص، وليست مبنية على حجج وبينات، بل على شبهات واهيات، وعلى الهوى: ((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ))، ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)) [الأنعام: 116]، ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ)) [القصص: 50] فإنهم قد يكونون على علم بالحق، لكن يمنعهم من اتباعه الهوى، وقد يضلون عن الحق بسبب ظنونهم، وآرائهم، وشبهاتهم، وفي كثير من الأحيان يجتمع الأمران: فيكون الباعثُ على ذلك الباطلِ الشبهةُ والهوى؛ فالذين يُحكِّمون عقولهم ـ مثلا ـ في باب الصفات؛ كالجهمية والمعتزلة أصلهم هو تحكيم العقل الفاسد؛ لأن العقل الصحيح لا يُناقض النقل الصحيح أبدًا، لكنهم حكَّموا عقولهم الفاسدة، ولو حكَّموا العقل الصريح لكان موافقا لما جاءت به الرسل، «فإن الرسل لا يأتون بما تُحيلُهُ العقول أبدًا، لكن قد يُخبرون بما لا تدركه العقول، أو بما تحار فيه العقول، ولا يأتون بما تقطع العقول السليمة ببطلانه» (?).
فما تأتي به الرسل إما أن يكون العقل شاهدا ومصدقا على صدقه وحسنه، أو يكون العقل واقفا جاهلا، والجاهل عليه أن ينقاد ويُسلِّم.