وإذا قال الأصوليون: هذا مُأوَّل، أو مُتأوَّل؛ معناه: أنه مصروف عن ظاهره إلى غيره، لكن تارة يكون بحجة صحيحة، فيكون هذا التأويل صحيحا، وتارة يكون ذلك التأويل بغير حجةٍ صحيحة، كتأويل المبتدعة للنصوص المخالفة لأصولهم، فكل تأويلات المبتدعة للنصوص المخالفة لأصولهم من نوع التأويل الباطل، والاسم المطابق لتأويلهم، هو التحريف؛ فإن صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى احتمالٍ مرجوح، أو صرفه عن ظاهره إلى غيره بغير دليل يوجب ذلك، هو من تحريف الكلم عن مواضعه.

قوله: (ولا متوهمين بأهوائنا)

ولا نتوهم فيها خلاف ظاهرها بدافع الهوى؛ فإن من التأويل ما لا دليل عليه غير وهم باعثه الهوى؛ فإن الإنسان إذا كان له هوى في شيء يكون في عقله تصورات واعتقادات تنبعث من هواه، وهذا هو الذي يرمي إليه المؤلف بقوله: (لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا) فنحرف النصوص ونصرفها عن ظاهرها بموجب آراء وشبهات، بل يجب أن نُجري النصوص على ظاهرها، ونفهمها على موجب ما دل عليه اللسان العربي، وعلى موجب فهم السلف الصالح؛ فإن أي فهم لآية أو حديث يتناقض مع فهم الصحابة، أو فهم السلف الصالح؛ فهو باطل.

وقوله: (فإنه ما سلم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ورد عِلْمَ ما اشتبه عليه إلى عالمه)

هذا تعليل لقوله: (لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا)، بل نؤمن به على مراد الله، ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الواجب علينا الإيمان بهذه النصوص، والتسليم لما أخبر الله به، فما علمنا منه آمنا به على ما فهمنا منه، وما لم نعلمه نكل علمه إلى عالمه، هذا هو الواجب على المؤمن إذا ورد عليه آية من كتاب الله، أو حديث صحيح عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه أن يؤمن به فورا ولا يتوقف، فهم معناه أو لم يفهمه، يجب أن يقابل ما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان والإذعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015