الوجه الثاني: الإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله، والإرادة الكونية تكون فيما يحبه وما لا يحبه. فمثلا الإيمان والعمل الصالح مراد لله شرعا لا كونا؛ لأن من الناس من لم يؤمن ومن لم يعمل صالحا، ولو كان مرادا لله كونا وقدرا للزم أن يؤمن الناس كلهم ويعملوا صالحا.

فإذا قال قائل: الكفر الواقع من بني آدم هل هو مراد لله؟

فنقول: مراد كونا لا شرعا؛ فمراد كونا لأنه واقع، وكل شيء يقع فهو مراد لله عز وجل (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس: 82) ، فهو مراد كوناً غير مراد شرعاً؛ لأن الله لا يريد من عباده الكفر، وإنما يريد منهم الإيمان.

ونمثل ذلك بالأشخاص فكفر أبي جهل مراد كونا، والدليل على أنه مراد كونا لأنه واقع، وكل شيء واقع فهو مراد كونا لا إشكال فيه، وليس هو مرادا شرعا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يحبه، وإذا كان الله لا يحب شيئا فإنه وإن وقع غير مراد لله شرعاً.

وإيمان أبي بكر رضي الله عنه، مراد كونا لوقوعه، ومراد شرعا لأنه محبوب إلى الله عز وجل؛ لأنه كما قلنا كل شيء واقع فهو مراد كونا، وإيمان أبي بكر واقع فهو مراد كونا.

وإيمان أبي لهب - أي تقديراً - مراد شرعاً لا كوناً؛ لأنه لم يقع، فمراد شرعاً لأن الله يحب منه الإيمان؛ لأنه محبوب إلى الله عز وجل.

وقد ذكرنا فيما سبق أن كفر أبي جهل مراد كونا لوقوعه، غير مراد شرعا لأن الله لا يحبه. وذكرنا أيضاً أن إيمان أبي لهب مراد شرعا لأن الله يحبه، غير مراد كونا لأنه لم يقع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015