ثم انتشرت دعوته في أرض العرب ثم في سائر الأرض إلى هذا الوقت وآيات التحدي قائمة متلوة وما قدر أحد أن يعارضه بما يظن أنه مثل، لو ما جاء مسيلمة ونحوه بما أتوا به يزعمون أنهم أتوا بمثله كان ما أتوا به من المضاحك التي لا تحتاج للمعرفة بانتفاء مماثلها إلى نظر، وذلك كمن جاء إلى الرجل الفارس الشجاع ذي اللامة التامة فأراد أن يبارزه بصورة مصورة ربطها على الفرس. كقول مسيلمة: يا ضفدع بنت ضفدعين، كم تنقنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء، وذنبك في الطين.

وقوله أيضا: الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، إن ذلك من خلق ربنا الجليل، وأمثال ذلك.

ولهذا لما قدم وفد بني حنيفة على أبي بكر وسألهم أن يقرءوا له شيئا من قرآن مسيلمة فاستعفوه فأبى أن يعفيهم حتى قرءوا شيئا من هذا فقال لهم الصديق:

ويحكم أن يذهب بعقولكم، إن هذا كلام لم يخرج من إل، أي من رب، فاستفهم استفهام المنكر عليهم لفرط التباين وعدم الالتباس وظهور الافتراء على هذا الكلام، وإن الله سبحانه وتعالى لا يتكلم بمثل هذا الهذيان.

وأما الطرق فكثيرة جدّا متنوعة من وجوه وليس كما يظنه بعض الناس وإن معجزته من جهة ظرف الدواعي عن معارضته، وقول بعضهم إنه من جهة فصاحته، وقول بعضهم من جهة إخباره بالغيوب إلى أمثال ذلك، فإن كلّا من الناظرين قد يرى وجه الإحجار وقد يريد الحجر وإن لم ير غيره ذلك الوجه واستيعاب الوجوه ليس هو ممّا يتسع له شرح هذه العقيدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015