وقد علم بالتواتر أنه دعا قريشا خاصة والعرب عامة، وأن جمهورهم في أول الأمر كذبوه وآذوه وآذوا الصحابة وقالوا فيه أنواع القول مثل قولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومعلم ومجنون، وأمثال ذلك وعلم أنهم كانوا يعارضونه ولم يأتوا بسورة من مثله وذلك يدل على عجزهم عن معارضته لأن الإرادة الجازمة لا يتخلف عنها الفعل مع القدرة.

ومعلوم أن إرادتهم كانت من أشد الإرادات على تكذيبه وإبطال حجته، وأنهم كانوا أحرص الناس على ذلك متى قالوا فيه ما يعلم أنه باطل بأدنى نظر، وفيلسوفهم الكبير الوحيد فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) «1».

وليس هذا موضع ذكر جزئيات القصص إذ المقصود ذكر ما علم بالتواتر من أنهم كانوا من أشد الناس حرصا ورغبة على إقامة حجة يكذبونه بها حتى كانوا يتعلقون بالنقض مع وجود الفرق فإنه لما نزل: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98) «2» عارضوه بالمسيح حتى فرق الله تعالى بينهما بقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (101) «3» وقال تعالى:* وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) «4» فمن عارضوا خبره بمثل هذا كيف لا يدعون معارضة القرآن وهم لا يقدرون على ذلك.

وقوله: وَما تَعْبُدُونَ خطاب للمشركين لم يدخل فيه أهل الكتاب ولا تناول اللفظ المسيح كما يظنه ظان من الظانين بل هم عارضوه بالمسيح من باب القياس يقولون إذا كانت الأنبياء من حصب جهنم لأنها معبودة كذلك المسيح، وهذا كما قال تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا فإنهم جعلوه مثلا لآلهتهم ولم يوردوه لشمول اللفظ كما يظن ذلك بعض المصنفين في الأصول.

ولهذا بين الله الفرق بين المسيح وبين آلهتهم بأن المسيح عبد الله يستحق الثواب ولا يظلم بذنب غيره بخلاف الحجارة، وإن في جعلهم من الأنبياء حصب جهنم إهانة له بذلك من غير ظلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015