فالأقوال في ذلك ثلاثة: الخوارج والمعتزلة نازعوا في الاسم والحكم فلم يقولوا بالتبعيض لا في الاسم ولا في الحكم فرفعوا عن صاحب الكبيرة بالكلية اسم الإيمان وأوجبوا له الخلود في النيران، وأما الجهمية والمرجئة فنازعوا في الاسم لا في الحكم فقالوا يجوز أن يكون مثابا معاقبا محمودا مذموما لكن لا يجوز أن يكون معه بعض الإيمان دون بعض وكثير من المرجئة والجهمية من يقف في الوعيد فلا يجزم بنفوذ الوعيد في حق أحد من أرباب الكبائر كما قال ذلك من قاله من مرجئة الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره، ويذكر عن غلاتهم أنهم نفوا الوعيد بالكلية لكن لا أعلم معينا معروفا أذكر عنه هذا القول، ولكن حكي هذا عن مقاتل بن سليمان والأشبه أنه كذب عليه.
وأما أئمة السنة والجماعة: فعلى إثبات التبعيض في الاسم والحكم فيكون مع الرجل بعض الإيمان لا كله ويثبت له من حكم أهل الإيمان وثوابهم بحسب ما معه كما يثبت له من العقاب بحسب ما عليه، وولاية الله تعالى بحسب إيمان العبد وتقواه، فيكون مع العبد من ولاية الله تعالى بحسب ما معه من الإيمان والتقوى فإن أولياء الله هم المؤمنون المتقون كما قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (63) «1».
وعلى هذا فالمتأول الذي أخطأ في تأويله في المسائل الخبرية والأمرية وإن كان في قوله بدعة يخالف بها نصّا أو إجماعا قديما وهو لا يعلم أنه يخالف ذلك بل قد أخطأ فيه كما يخطئ المفتي والقاضي في كثير من مسائل الفتيا والقضاء باجتهاده؛ يكون أيضا مثابا من جهة اجتهاده الموافق لطاعة الله تعالى غير مثاب من جهة ما أخطأ فيه وإن كان معفوّا عنه، ثم قد يحصل فيه تفريط في الواجب أو اتباع لهوى يكون ذنبا منه، وقد يقوى فيكون كبيرة وقد تقوم عليه الحجة التي بعث الله عز وجل بها رسله ويعاندها مشاقّا للرسول من بعد ما تبين له الهدى متبعا غير سبيل المؤمنين فيكون مرتدّا منافقا أو مرتدّا ردة ظاهرة، فالكلام في الأشخاص لا بد فيه من هذا التفصيل، وأما الكلام في أنواع الأقوال والأعمال باطنا وظاهرا من الاعتقاد والإرادات وغير ذلك فالواجب فيما تنوزع في ذلك أن يرد إلى الله والرسول فما وافق الكتاب والسنة فهو حق، وما خالفهما فهو باطل، وما وافقهما من وجه دون وجه فهو ما اشتمل على حق وباطل فهذا هو.