وقال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن بما وقر في القلب وصدقه العمل.

ومنهم من يقول بل الإيمان هو الإقرار وليس هو مرادفا للتصديق، فإن التصديق يقال على كل خبر عن شهادة أو غيب، وأما الإيمان فهو أخص منه فإنه قد قيل لخبر إخوة يوسف وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وقيل: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ إذ الإيمان بالنبيّ عليه الصلاة والسلام تصديق به والإيمان له تصديق له في ذلك الخبر وهذا في المخبر ويقال لمن قال: الواحد نصف الاثنين والسماء فوق الأرض: قد صدقت، ولا يقال: آمنت له، ويقال: أصدق بهذا ولا يقال: أؤمن به، إذ لفظ الإيمان أفعال من الأمن فهو يقتضي طمأنينة وسكونا فيما من شأنه أن يستريب فيه القلب ويخفق ويضطرب وهذا إنما يكون في الإخبار بالمغيبات لا بالمشاهدات.

والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الموضع وإنما المقصود أن فقهاء المرجئة خلافهم مع أهل السنة يسير وبعضه لفظي ولم يعرف بين الأئمة المشهورين بالفتيا خلاف إلا في هذا فإن ذلك قول طائفة من فقهاء الكوفيين كحماد بن أبي سليمان وصاحبه أبي حنيفة وأصحاب أبي حنيفة، وأما قول الجهمية وهو أن الإيمان مجرد تصديق القلب دون اللسان فهذا لم يقله أحد من المشهورين بالإمامة، ولا كان قديما فيضاف هذا إلى المرجئة، وإنما وافق الجهمية عليه طائفة من المتأخرين من أصحاب الأشعري.

وأما ابن كلاب فكلامه يوافق كلام المرجئة لا الجهمية وآخر الأقوال حدوثا في ذلك قول الكرامية أن الإيمان اسم للقول باللسان وإن لم يكن معه اعتقاد القلب، وهذا القول أفسد الأقوال لكن أصحابه لا يخالفون في الحكم فإنهم يقولون إن هذا الإيمان باللسان دون القلب هو إيمان المنافقين، وأنه لا ينفع في الآخرة وإنما أوقع هؤلاء كلهم ما أوقع الخوارج والمعتزلة في ظنهم أن الإيمان لا يتبعض بل إذا ذهب بعضه ذهب كله ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يتبعض وأنه ينقص ولا يزول جميعه كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015