والمقصود هنا: أن أهل العلم والإيمان في تصديقهم لما يصدقون به وتكذيبهم لما يكذبون به وحمدهم لما يحمدونه وذمهم لما يذمونه متفقون على هذا الأصل فلهذا يوجد أئمة أهل العلم والدين من المنتسبين إلى الفقه والزهد يذمون أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة في الاعتقادات والأعمال من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوف ونحوهم وإن كان في أولئك من هو مجتهد له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور له.
وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه قال: «خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (?).
فكان القرن الأول من كمال العلم والإيمان على حال لم يصل إليها القرن الثاني، وكذلك الثالث وكان ظهور البدع والنفاق بحسب البعد عن السنن والإيمان، وكلما كانت البدعة أشد تأخر ظهورها، وكلما كانت أخف كانت إلى الحدوث أقرب، فلهذا حدث أولا بدعة الخوارج والشيعة ثم بدعة القدرية والمرجئة وكان آخر ما حدث بدعة الجهمية حتى قال ابن المبارك ويوسف بن أسباط وطائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، إن الجهمية ليسوا من الثنتين والسبعين فرقة بل هم زنادقة، وهذا مع أن كثيرا من بدعهم دخل فيها قوم ليسوا بزنادقة بل قبلوا كلام الزنادقة جهلا وخطأ، قال الله تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ (?) فأخبر سبحانه أن في المؤمنين من هو مستجيب للمنافقين فما يقع فيه بعض أهل الإيمان من أمور بعض المنافقين، هو من هذا الباب.
والمقصود هنا: أن يعلم أنه لم يزل في أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن أمته لا تبقى على ضلالة بل إذا وقع منكر من لبس حق بباطل أو غير ذلك، فلا بد أن يقيم الله تعالى من يميز ذلك فلا بد من بيان ذلك ولا بد من إعطاء الناس حقوقهم كما قالت عائشة رضي الله عنها: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم» رواه أبو داود وغيره (?).
وهذا الموضع لا يحتمل من السعة وكلام الناس في مثل هذه الأمور التي