كالإرادة الجازمة في القلب فكما إن الإرادة الجازمة في القلب إذا اقترنت بها القدرة حصل بها المراد أو المقدور من المراد لا محالة كانت القدرة حاصلة ولم يقع الفعل كان الحاصل هي لا إرادة جازمة وهذا هو الذي عفي عنه.

فكذلك التصديق الجازم إذا حصل في القلب تبعه عمل من عمل القلب لا محالة لا يتصور أن ينفك عنه بل يتبعه الممكن من عمل الجوارح فمتى لم يتبعه شيء من عمل القلب علم أنه ليس بتصديق جازم فلا يكون إيمانا لكن التصديق الجازم قد لا يتبعه عمل القلب بتمامه لعارض من الأهواء كالكبر والحسد ونحو ذلك من أهواء النفس لكن الأصل أن التصديق يتبعه الحب وإذا تخلف الحب كان لضعف التصديق الموجب له، ولهذا قال الصحابة: كل من يعص الله فهو جاهل.

وقال ابن مسعود: كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار جهلا.

ولهذا كان التكلم بالكفر من غير إكراه كفرا في نفس الأمر عند الجماعة وأئمة الفقهاء حتى المرجئة خلافا للجهمية ومن اتبعهم، ومن هذا الباب سب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وبغضه، وسب القرآن وبغضه، وكذلك سب الله سبحانه وبغضه ونحو ذلك ممّا ليس من باب التصديق والحب والتعظيم والموالاة بل من باب التكذيب والبغض والمعاداة والاستخفاف.

ولما كان إيمان القلب له موجبات في الظاهر كان الظاهر دليلا على إيمان القلب ثبوتا وانتفاء كقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (?) وقوله عز وجل: وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ (?) وأمثال ذلك.

وبعد هذا فنزاع المنازع في أن الإيمان في اللغة هو اسم لمجرد التصديق دون مقتضاه أو اسم للأمرين يؤول إلى نزاع لفظي، وقد يقال أن الدلالة تختلف بالإفراد والاقتران والناس منهم من يقول أن أصل الإيمان في اللغة التصديق ثم يقول والتصديق يكون باللسان ويكون بالجوارح، والقول يسمى تصديقا والعمل يسمى تصديقا كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015