وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) «1»، فبين سبحانه أن مجيء الآيات لا يوجب الإيمان بقوله تعالى: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ «2» أي فتكون هذه الأمور الثلاثة: أن لا يؤمنوا وأن نقلب أفئدتهم وأبصارهم، وأن نذرهم في طغيانهم يعمهون؛ أي وما يدريكم أن الآيات إذا جاءت تحصل هذه الأمور الثلاثة، وبهذا المعنى تبين أن قراءة الفتح أحسن وأن من قرأ «أن» المفتوحة بمعنى «لعل» فظن أن قوله: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ كلام مبتدأ لم يفهم معنى الآية، وإذا جعل ونقلب أفئدتهم داخلا في خبر أن تبين معنى الآية، فإن كثيرا من الناس يؤمنون ولا تقلب قلوبهم لكن قد يحصل تقليب أفئدتهم وأبصارهم وقد لا يحصل أي فما يدريكم أنهم لا يؤمنون، والمراد وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون بل نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، والمعنى وما يدريكم أن الأمر بخلاف ما تظنونه من إيمانهم عند مجيء الآيات وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ فيعاقبون على ترك الإيمان أول مرة بعد وجوبه عليهم إما لكونهم عرفوا الحق وما أقروا به أو تمكنوا من معرفته فلم يطلبوا معرفته ومثل هذا كثير.
والمقصود هنا: أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق، والعلم قد يفضي إلى سلب التصديق، والعلم كما قيل:
العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل «3».
وكما قيل: كنا نستعين على حفظ العمل بالعمل به «4».
فما في القلب من التصديق بما جاء به الرسول إذا لم يتبعه موجبه ومقتضاه من العمل قد يزول إذ وجود العلة يقتضي وجود المعلول، وعدم المعلول يقتضي عدم العلة، فكما أن العلم والتصديق سبب للإرادة والعمل فعدم الإرادة والعمل سبب لعدم العلم والتصديق، ثم إن كانت العلة تامة فعدم المعلول دليل يقتضي عدمها.
وإن كانت سببا قد يتخلف معلولها كان له بخلفه أمارة على عدم المعلول قد يتخلف مدلولها، وأيضا فالتصديق الجازم في القلب يتبعه موجبه بحسب الإمكان