النقليات، هو في زمانه فريد عصره علما وزهدا ... إلى أن قال: وقرأ وحصل، وبرع في الحديث والفقه، وتأهل للتدريس والفتوى وهو ابن سبع عشرة سنة.

وتقدم في علم التفسير والأصول، وجميع علوم الإسلام: أصولها وفروعها ودقها وجلها، سوى علم القراءات. فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه، وإن عدّ الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق، وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا، وسرد وأبلسوا، واستغنى وأفلسوا. وإن سمي المتكلمون فهو فردهم، وإليه مرجعهم، وإن لاح ابن سينا يقدم الفلاسفة فلّهم وتيّسهم، وهتك أستارهم وكشف عوارهم. وله يد طولى في معرفته العربية والصرف واللغة. وهو أعظم من أن يصفه كلمي، أو ينبه على شأوه قلمي ... وقال: وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتاب والسنة والمسند، بحيث يصدق عليه أن يقال: «كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث» ولكن الإحاطة لله، غير أنه يغترف من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي ... ، وقال:

فلو حلّفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم». اه (?).

وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، وقد سئل عن شيخ الإسلام بعد اجتماعه به، كيف رأيته؟ فقال: «رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه، يأخذ ما شاء منها، ويترك ما شاء ... » (?).

وقال ابن عبد الهادي: «وأخبرني غير واحد أنه كتب مجلدا لطيفا في يوم، وكتب غير مرة أربعين ورقة في جلسة وأكثر، وأحصيت ما كتبه وبيّضه في يوم فكان ثمانية كراريس في مسألة من أشكل المسائل، وكان يكتب على سؤال الواحد مجلدا» اه (?).

هذه لمحات يسيرة من ثناء الأئمة على الشيخ، من خلالها يمكن للقارئ معرفة ما ميّز الله هذا الرجل من وفرة العلم وسعة الاطلاع. وما ذكرته ما هو إلا قطرة من بحر، وذرة من رمل وشيء يسير جدّا ومن أراد التوسع فليراجع بعض الكتب التي أفردت لهذا الشأن (?). وبنظرة سريعة على فهارس «مجموع الفتاوى»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015