وأصبح علم المذهب السلفي، فكل من التزم المذهب الحق في باب العقائد قيل:
هو على مذهب ابن تيمية، فهو إذا مدرسة الأجيال تخرج منها فطاحل العلماء، والأئمة العظماء.
فإذا كان عصره يعج بالتيارات الفكرية المتباينة، ممثلا في مذاهب عقدية منحرفة من جهمية، ومعتزلة، وأشاعرة ... إلخ، إضافة إلى صوفية خيمت على العالم الإسلامي بسلوكياتها وأصولها الفاسدة، أضف إلى أن بضاعة الفلاسفة والمناطقة رائجة، وسلعتهم نافقة، هذا مع ما كان المسلمون يتلقونه من حرب فكرية عاتية من الصليبية الحاقدة لا تقل خطرا عن حروبهم العسكرية الشرسة.
وقد تصدى الشيخ لكل هؤلاء، وانبرى للرد عليهم، وتفنيد أقوالهم، وكان يعمل على جميع الجبهات، فلم يشغل مناقشة هؤلاء عن الرد على أولئك.
وكان إذا تكلم في فنّ حسبه السامع لا يحسن غيره، وظنه قد تخصص في هذا الجانب بل إن أصحاب المذاهب الأخرى يستفيدون منه علوما في مذاهبهم كانوا يجهلونها وتخفى عليهم (?). حتى ذكر أنه ما تكلم في علم من العلوم سواء أكان علوم الشرع أم من غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وما ناظر أحدا فانقطع معه (?).
وإن القارئ ليقف منبهرا أمام هذه العلمية الفذّة. وخير من يجلّي الحقيقة ويوفّي الموضوع حقه أو بعضه، هم العلماء الفحول، صيارفة الرجال، والأئمة النقاد، الذين وصفهم هو الوصف، ومدحهم هو المدح، وثناؤهم هو الثناء.
يقول الإمام الذهبي في معرض وصفه لشيخ الإسلام: « .... وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان، ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر، وفسّر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره في أيام الجمع، وكان يتوقد ذكاء، وسماعاته من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه، فما يلحق فيه، وأما نقله للفقه، ومذاهب الصحابة والتابعين، فضلا عن المذاهب الأربعة، فليس له فيه نظير. وأما معرفته بالملل والنحل، والأصول والكلام فلا أعلم له فيه نظيرا ... وقال أيضا: كان آية في الذكاء وسرعة الإدراك، رأسا في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف. بحرا في