أن ما يقوم به من ذلك هل كله مسبوق بالعدم أو لم يزل ذلك يقوم به؟ وفيه لهم قولان، أحدهما أنه مسبوق بالعدم كما تقوله الكرامية وغيرهم.

الثالث: أنه ليس مسبوقا بالعدم وهو مذهب أكثر أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفقه والتصوف.

الرابع: أن يقال: المخلوق ينقسم إلى متكلم وغير متكلم والمتكلم أكمل من غير المتكلم وكل كمال هو في المخلوق مستفاد من الخالق فالخالق به أحق وأولى ومن جعله لا يتكلم فقد شبهه بالموات الجماد الذي لا يتكلم وذلك صفة نقص إذ المتكلم أكمل من غيره، قال تعالى في ذم من يعبد من لا يتكلم ولا ينفع ولا يضر أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89) «1» وقال في الآية الأخرى:

أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا «2» وقال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) «3».

فعاب الصنم بأنه أبكم لا يقدر على شيء إذ كان من المعلوم أن العجز عن النطق والفعل صفة نقص فالنطق والقدرة صفة كمال.

والفرق بين هذه الطريق وبين التي قبلها أن هذه استدلال بما في المخلوق من الكمال على أن الخالق أحق به وأنه يمتنع أن يكون مضاهيا للناقص، والأولى أنه مستحق لصفات الكمال من حيث هي مع قطع النظر عن كونها ثابتة في المخلوقات لامتناع النقص عليه بوجه من الوجوه سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015