مخصص، قال لكم الدهرية (?): فأنتم تجوزون الحدوث من غير سبب حادث يقتضي التخصيص ببعض الحوادث دون بعض.
فإن قلتم: القديم يخصص مثلا عن مثل بلا سبب أصلا جوزتم تخصيص أحد المثلين على الآخر بغير مخصص وهذا يفسد عليكم إثبات العلم بالصانع وهو المقصود بطريقكم فسلكتم طريقا لم تحصل المقصود من العرفان، وسلطتم عليكم أهل الضلال والعدوان، كمن أراد أن يغزو بغير طريق شرعي فلا فتح بلادهم ولا حفظ بلادهم بل سلطهم حتى صاروا يحاربونه بعد أن كانوا عاجزين عنه.
ولهذا ذم السلف والأئمة أهل الكلام المحدث المخالف للكتاب والسنة (?) إذ كان فيه من الباطل في الأدلة والأحكام ما أوجب تكذيب بعض ما أخبر به الرسول وتسلط العدو على أهل الإسلام وليس هذا موضع بسط الكلام في هذه الأمور الكبيرة العظيمة، بل نبنهنا عليها تنبيها مختصرا بحسب ما يحتمله هذا المقام فإن الكلام في مسألة الكلام حير عقول أكثر الأنام الذين ضعفت معرفتهم واتباعهم لما بعث الله به رسله الكرام، ولهم طرق سمعية في تقريره يطول ذكرها.
وأما الطرق العقلية: فمن وجوه:
أحدها: أن الحي إذا لم يتصف بالكلام لزم اتصافه بضده كالسكوت والخرس وهذه آفة يتنزه الله عنها فتعين اتصافه بالكلام وهذا المسلك يسلكونه في إثبات كونه سميعا بصيرا أيضا فإنه إذا كان حيّا ولم يكن سميعا بصيرا لزم اتصافه بضد ذلك من الصمم والعمى.
الثاني: أن الكلام صفة كمال وهنالك من جعله صفة لا تتعلق بمشيئته واختياره جعله كالعلم والقدرة ومن قال إنه يتعلق بمشيئته وقدرته قال: كونه متكلما يتكلم إذا شاء صفة كمال وقد يقول بطرد ذلك في كونه فاعلا الأفعال الاختيارية القائمة بنفسه، ويجعل هذا كله من صفات الكمال وقد يقول القدرة على ذلك هي صفة الكمال إذ الكمال لا يجوز أن يفارق الذات فإنه لم يزل ولا يزال كاملا مستحقا لجميع صفات الكمال، فالقدرة على كونه يقول ما شاء ويفعل ما شاء صفة كمال فالقدرة وحدها غير القدرة مع ما يقترن بها من المقدورية، وهذا ينبني على