وعليه بنى الأشعري وأصحابه كلامهم في مسألة امتناع قيام الحوادث به ومسألة القرآن ونحوهما من المسائل.

الثالث: هب أنه لا يخلو عنه وعن ضده وأن ذلك يستلزم تعاقب الحوادث لكن لا نسلم أن ذلك يستلزم حدوث ما قام به، قالوا: والدليل الذي ذكرتموه على حدوث العالم من هذا الوجه دليل ضعيف وقد ألزمكم الفلاسفة فيه إلزاما لم تنفصلوا عنه ولا يمكنكم الانفصال عنه إلا بتجويز ذلك على القديم فإنهم قالوا: ما حدث بعد أن لم يكن فلا بد له من سبب حادث فإن ذلك الحادث ممكن والممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح والمرجح إن لم يجب حصول الممكن عند حصوله لم يكن مرجحا تامّا فافتقر إلى تمامه.

ثم القول في حدوث ذلك التمام كالقول في حدوث الأول فلا بد من مرجح تام يجب عنده الحادث فلا بد لكل حادث من سبب تام يحصل الحادث عند تمام ذلك السبب، فإذا كان العالم محدثا بعد أن لم يكن ولم يحدث سبب يقتضي حدوثه فلم يكن حين إبداعه أمر يوجب ترجيحه لم يكن قبل إبداعه بل الحالان سواء فيلزم ترجيح الحدوث بلا مرجح.

وهذا الموضع هو أصعب المواضع على المتكلمين في بحثهم مع الفلاسفة في مسألة حدوث العالم. وهذه الشبهة أقوى شبه الفلاسفة فإنهم لما رأوا أن الحدوث يمتنع إلا بسبب حادث قالوا: والقول في ذلك الحادث كالقول في الأول.

وقال هؤلاء المثبتة لقيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى: وعلى أصلنا يبطل كلام الفلاسفة فإنه يقال لهم أنتم تجوزون قيام الحوادث بالقديم إذ الفلك قديم عندكم والحركات تقوم به، وتجوزون حوادث لا أول لها وتعاقب الحركات على الشيء لا يستلزم حدوثه وإذا كان كذلك فلم يجوز أن يكون الخالق للعالم له أفعال اختيارية تقوم به يحدث بها الحوادث ولا يكون تسلسلها وتعاقبها دليلا على حدوث ما قامت به.

قال هؤلاء لأصحابهم الذين أثبتوا حدوث العالم بهذه الطرق: تسلط عليكم الفلاسفة في مسألة حدوث العالم فإنكم إذا أثبتم حدوث العالم وقلتم المحدث لا بد له من محدث لأن تخصيص الحوادث ببعض الأوقات دون بعض لا بد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015