كما أن قدرته على أن يبدع الأشياء صفة كمال والقادر على الخلق أكمل ممن لا يقدر على الخلق.
وقالوا: الحي لا يخلو عن هذا، والحياة هي المصححة لهذا كما هي المصححة لسائر الصفات وإذا قدر حي لا يقدر على أن يفعل بنفسه ويتكلم بنفسه كان عاجزا بمنزلة الزمن والأخرس كما أنه إذا قدر حي لا يسمع ولا يبصر كان أصم أعمى، فما من طريق يسلكه الصفاتية في إثبات صفاته إلا يسلك هؤلاء نظيره من إثبات ذلك.
ولا ريب أن النفاة نوعان:
أحدهما:- وهم الأصل- المعتزلة ونحوهم من الجهمية فهؤلاء ينفون الصفات مطلقا وحجتهم على نفي قيام الأفعال به من جنس حجتهم على نفي الصفات به، وهم يسوون في النفي بين هذا وهذا كما صرحوا بذلك وليس لهم حجة تختص بنفس قيام الحوادث.
وأما مثبتة الصفات الذين ينفون الأفعال الاختيارية القائمة به كابن كلاب والأشعري فإنهم فرقوا بين هذين بأنه لو جاز قيام الحوادث به لم يخل منها لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وبهذا استدلوا على حدوث الأجسام لأنها لا تخلو من الأعراض الحادثة كالحركة والسكون والاجتماع والافتراق فأجابهم الأولون بثلاثة أجوبة:
أحدها: أن استدلالكم بقيام الأفعال به على حدوثه هو نظير استدلال المعتزلة بقيام الصفات به على حدوثه. وقالوا: الصفات أعراض والأعراض لا تقوم إلا بجسم ففرقتم أنتم بين الصفات- وهي اللازمة- وبين الأعراض، وهو فرق صوري يرجع في الحقيقة إلى الاصطلاح فإن جاز أن تقوم به الصفات التي هي أعراض في غيره ولا يكون جسما محدثا جاز أن تقوم به الأفعال التي هي حركات في غيره ولا يكون جسما محدثا وهذا إلزام.
الثاني: قالوا لهم: لا نسلم أن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده وقد اعترف أبو عبد الله الرازي وأبو الحسن الآمدي (?) ونحوهما بفساد هذا الأصل