ولا ريب أن الطرق الدالة على الإثبات والنفي إما السمع وإما العقل، أما السمع فليس مع النفاة منه شيء بل القرآن والأحاديث هي من جانب الإثبات كقوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) «1» وقوله تعالى: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) «2».

وقوله: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ «3» وقوله: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ «4» وقوله: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ «5».

وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ «6».

وأمثال ذلك ممّا في القرآن فإنه كثير جدّا.

وكذلك الأحاديث الصحيحة كقوله عليه الصلاة والسلام، لما صلى بهم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل: «أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهو كافر بي مؤمن بالكوكب» «7» وما يذكره من خطابه للعباد يوم القيامة وخطابه للملائكة، وأمثال ذلك، بل كل ما تحتج به المعتزلة على أن القرآن مخلوق من نحو هذا فإنه لا يدل على أنه بائن منه، وإنما يدل على أنه يتكلم بمشيئته وقدرته فيمكن هؤلاء التزامه ويكون قولهم متضمنا للإيمان بجميع ما أنزل الله ممّا يدل على أنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وعلى أن كلامه غير مخلوق بخلاف غيرهم، فإنه يقرر بعض النصوص ويرد بعضها بتحريف أو تفويض ومن جعله متكلما بمشيئته وقدرته وقال: إن كلامه قائم به زال عنه هذا كله والمنازع لهم يحتاج أن يقرر بالعقل امتناع ذلك ثم يبين أنه يمكن تأويله.

فأما الطرق العقلية فالمثبتون يقولون إنها من جانبهم دون جانب النفاة كما تزعم النفاة أنها من جانبهم، وذلك أنهم قالوا: إن قدرته على ما يقوم به من الكلام، والفعل صفة كمال كما أن ما يقوم به من العلم والقدرة صفة كمال ومن المعلوم أن من قدر على أن يفعل ويتكلم أكمل ممن لا يقدر على ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015