البخاري أن هذا إجماع العلماء، ومن قال الصفات تنقسم إلى صفات ذاتية وفعلية، ولم يجعل الأفعال تقوم به، فكلامه فيه تلبيس فإنه سبحانه لا يوصف بشيء لا يقوم به وإن سلم أنه يتصف بما لا يقوم به، فهذا هو أصل الجهمية الذين يصفونه بمخلوقاته يقولون: إنه متكلم ومريد وراض وغضبان ومحب ومبغض وراحم لمخلوقات يخلقها منفصلة عنه لا بأمور تقوم بذاته.
إذا تبين ذلك فالسلف لما علموا هذا علموا أن قول من قال: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا «1» مخلوق يوجب أن يكون هذا الكلام كلاما للشجرة لا كلاما لله لأنه قام بالشجرة لم يقم بالله. كما أن كلام فرعون قام به، وإن كان الله خالق ذلك كله فإنه خالق العباد وأفعالهم وكلامهم وهذا أيضا ممّا يبين أنه لو كان من يخلق الكلام في غيره متكلما لوجب أن يكون كل كلام في الوجود كلامه وهذا يقوله غالية الجهمية الاتحادية كصاحب الفصوص «2» ونحوه فإنه يقول:
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه ومعلوم أن هذا الكلام أعظم من كفر عباد الأصنام، كما ذكر ابن المبارك وغيره من السلف، وأيضا فإن الله تعالى قد أنطق أشياء كما قال تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) «3» وقال: حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ «4».
وقال: فهو منطق كل شيء وخالق نطقه ولا نزاع أنه خالق النطق في غير الحي المختار، وإنما تنازعت القدرية في خلق أقوال الأحياء وأفعالهم، فإن كان حقيقة كلامه ما خلقه في غيره من الكلام فهذا جميعه كلامه وما في هذا الكلام المخلوق من ضمير المتكلم إما أن يعود إلى خالقه أو إلى محله، فإن عاد إلى خالقه كانت شهادة الأعضاء شهادة الله وكان قول فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «5»؟
قولا لله وكان قولهم لجلودهم «لم شهدتهم علينا» قولا لله وكان قول الجلود «أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء» بمعنى أنطقت نفسي.