ولم يكن فرق عندهم بين نطق وأنطق، وإن عاد الضمير إلى محله كان الكلام المخلوق في الشجرة إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي (?) كلاما للشجرة فتكون الشجرة هي القائلة: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي (?)، وهذه حقيقة قولهم لما ثبت من أن الكلام كلام لمن قام به، فيكون ضمير المتكلم فيه عائدا إلى محله.
ولما كان هذا المعنى مستقرّا في فطر الناس وعقولهم كان السلف يقصدون بمجرد قولهم: القرآن كلام الله. الرد على هؤلاء الجهمية الذين حقيقة قولهم إن القرآن ليس كلام الله وإنما هو كلام لجسم مخلوق، وحقيقة قولهم: إن الله لم يكلم موسى وإنما كلمه مخلوق من مخلوقاته.
قال البخاري: قال عبد الرحمن بن عفان: سمعت سفيان بن عيينة في السنة التي ضرب فيها المريسي، فقام ابن عيينة من مجلسه مغضبا، قال: ويحكم القرآن كلام الله قد صحبت الناس وأدركتهم، هذا عمرو بن دينار وهذا ابن المنكدر حتى ذكر منصور والأعمش ومسعر بن كدام، فقال ابن عيينة: قد تكلموا في الاعتزال والرفض والقدر وأمرونا باجتناب القوم فما نعرف القرآن إلا كلام الله ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله، وما أشبه هذا القول بقول النصارى، لا تجالسوهم ولا تسمعوا كلامهم.
وابن عيينة أخرج هذا القول عن الرفض والاعتزال لأن المعتزلة أولا الذين كانوا في زمن عمرو بن عبيد وأمثاله لم يكونوا جهمية، وإنما كانوا يتكلمون في الوعيد وإنكار القدر، وإنما حدث فيهم نفي الصفات بعد هذا، ولهذا لما ذكر الإمام أحمد بن حنبل في رده على الجهمية قول جهم قال: فاتبعه قوم من أصحاب عمرو بن عبيد وغيره واشتهر هذا القول عن أبي الهذيل العلاف والنظام وأشباههم من أهل الكلام.
وأما الرافضة فلم يكن في قدمائهم من يقول بنفي الصفات بل كان الغلو في التجسم مشهورا عن شيوخهم هشام بن الحكم وأمثاله.
وقال البخاري: حدثني الحكم بن محمد الطبري كتبت عنه بمكة قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: أدركت مشيختنا منذ سبعين سنة منهم عمرو بن دينار، يقولون: القرآن كلام الله وليس بمخلوق. قلت: كان المريسي قد صنف كتابا في