الجهمية والمعتزلة هم نفاة الرؤية، والقاعدة أنه لم ينف جهمي أو معتزلي صفة من الصفات لدليل من القرآن أو السنة، وغاية ما يستدلون به قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وهذا دليل مجمل لا دلالة فيه، إنما فيه تنزيه الله سبحانه وتعالى عن مماثلة غيره، وهذا مما استقر عند سائر المسلمين.
وأما استدلالهم على نفي الرؤية بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]، وقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]، فقالوا: (لن) تقتضي التأبيد.
فلو سلم جدلاً أن الآيتين تدلان على مراد المعتزلة، فتكون نتيجة الدليل نفي الرؤية مع إمكانها؛ لكن المعتزلة والجهمية يقولون: إن الرؤية ممتنعة، ومعلوم أن المنفي قد يكون ممكناً وقد يكون ممتنعاً، فإذا قيل لك: هل لك ولد؟ فقلت: لا، فلا يعني هذا أن الولد في حقك ممتنع، بل هو ممكن، لكنه لم يوجد حتى الآن.
فإذاً: الامتناع يستلزم النفي، ولكن النفي لا يستلزم الامتناع، فقد ينفى الشيء وهو ممكن، وقد يُنفى الشيء وهو ممتنع، فلو وقفت المعتزلة عند الدليل الذي زعمت أنها تستدل به، للزمهم أن يقولوا: إن الرؤية منفية ولكن لا نقول: إنها ممتنعة.
لكن لما قرروا أنها ممتنعة بما يسمونه دليل المقابلة، وهو عندهم امتناع الرؤية لامتناع العلو على الله تعالى، ودليل الانطباع، وغيرها من الدلائل الكلامية الفلسفية، وحكموا عليها بالامتناع، ثبت أنهم ليس لهم دليل لا من الكتاب ولا من السنة.