شاع في كتب طائفة من الأصوليين وعلماء الكلام، وبعض علماء المصطلح؛ تقسيم الحديث إلى آحاد ومتواتر، وهذا التقسيم من حيث هو اصطلاح لا إشكال فيه، وإنما الغلط هو حد من قال: إن المتواتر هو ما رواه جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس، ثم جعل كل ما خالف المتواتر آحاداً، ورتب المعتزلة وطوائف من الأشاعرة على ذلك نتيجة، وهي أن الآحاد لا يحتج بها في العقائد والأصول.
فهذا الحد للمتواتر غلط على السنة، لأنهم قالوا: ما رواه جماعة عن جماعة، ثم ذكروا خلافاً في حد الجماعة، والذي يستقر عليه كثيرٌ منهم هو: العشرة أو ما يقاربهم فعلى طريقتهم، لا يصير الحديث متواتراً إلا إذا رواه عن الرسول عليه الصلاة والسلام من الصحابة عشرة، ورواه عن كل صحابي عشرة، فيكون العدد في التابعين مائة، ورواه عن كل واحد من هؤلاء المائة عشرة، فتكون الطبقة الثالثة ألفاً من الرواة، ومثل هذا لا ترى له مثالاً في السنة، وإن فرض له مثال فهو يسير جداً.
وقد صرح بعض الحفاظ الذين ذكروا هذا الحد أنه لا مثال له على هذا الوجه، فلو صحح رأيهم في المتواتر على هذا الوجه لكان نتيجة ذلك: أن السنة لا يحتج بها في الاعتقاد، لأنه لا يوجد حديث متواتر على هذا الحد.
وأما أن تقسم الرواية إلى متواتر وآحاد على حد يختلف عن ذلك فهذا لا بأس به، وقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله وطائفة من المتقدمين لفظ المتواتر في كلامهم، لكنهم لم يوردوا للمتواتر هذا الحد الذي زعمه المتكلمون ودخل على طائفة من الأصوليين وعلماء المصطلح المتأخرين.