الفرق الأول: أما من جهة القائم به، فإن دليل النبوة إذا كان معجزةً فإن الذي يذكره نبي، وفرق بين النبي والولي، فضلاً عن الكاهن أو الساحر أو العراف، ولهذا قالت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الوحي: (أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).
ومن المعلوم قطعاً أن الولي لا يمكن أن يختلط بالنبي، إذ من شرط الولاية أن لا يكذب بالدعوى، فمن ادعى النبوة فإنه يعلم أنه ليس بولي، بل هو من أعظم الكفار كفراً، وأما الكهان والعرافون والسحرة والرمالون، فإن أحوالهم التي تكتنفهم من الشر والفجور والفسوق والعصيان، تكفي دليلاً على أنهم ليسوا بأنبياء ولا صادقين فيما يدعون، وإن اتصفوا بأحوال هي في نظر الناس تعد من الخوارق.
والفرق الثاني: من جهة الفعل الخارق نفسه، ومن أخص دلائل هذا الفرق ما ذكره الله سبحانه وتعالى في قصة موسى وسحرة فرعون، فإن الله أمر موسى أن يلقي عصاه، قال: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [القصص:31] والسحرة ألقوا حبالهم وعصيهم، حتى أن الله سبحانه وتعالى قال: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] ففي نظر الناس تحركت هذه العصي والحبال، وتحركت عصا موسى، ولكن بين الحقيقتين فرق بيِّن، فإن عصا موسى قد انقلبت حيةً على الحقيقة، وهذه قدرة الله سبحانه وتعالى، بخلاف حبال السحرة وعصيهم، فإنها في نفس الأمر لم تزل حبالاً ولم تزل عصياً.
وقد قرر شيخ الإسلام رحمه الله أن كرامات الأولياء ليست كخوارق السحرة والكهنة والعرافين، وإذا كان بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة والكهنة والعرافين فرق، فمن باب أولى الفرق بين معجزة النبي وخوارق السحرة.
ولهذا فإن الخوارق التي يدعيها الكهان والعرافون والرمالون لا بد أن يصاحبها الكفر؛ فإنها نوع خضوع لشياطين الجن، ومعلوم أن الجن لهم من الاقتدار على الأشياء ما ليس لبني آدم، فيتحركون حركة هي في نظر الجن حركة معتادة، وتكون في نظر الإنس حركة خارقة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39]، وقال الله عنهم: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ:13]، وهذا بخلاف الخارق الذي يقع للولي، فإنه نعمة من الله، ليس تحريكاً من جهة الجن، فضلاً عما يقع لنبي أو رسول.