قال رحمه الله تعالى: [وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال بالإيمان، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] أي: صلاتكم إلى بيت المقدس: إنها سميت إيماناً مجازاً؛ لتوقف صحتها على الإيمان، أو لدلالتها على الإيمان؛ إذ هي دالة على كون مؤديها مؤمناً، ولهذا يحكم بإسلام الكافر إذا صلى كصلاتنا.
فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب، إذا كانوا مقرين باطناً وظاهراً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما تواتر عنهم أنهم من أهل الوعيد، ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار، كالخوارج والمعتزلة، ولكن أردأ ما في ذلك التعصب من بعضهم وإلزامه لمن يخالف قوله بما لا يلزمه والتشنيع عليه، وإذا كنا مأمورين بالعدل في مجادلة الكافرين وأن يجادلوا بالتي هي أحسن؛ فكيف لا يعدل بعضنا على بعض في مثل هذا الخلاف؟! قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
وهنا أمر يجب أن يتفطن له، وهو: أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً إما مجازياً وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهو عاص، ويسمى كافراً كفراً مجازياً أو كفراً أصغر، وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأ؛ فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور].