ما وصف بالكفر من الذنوب التي لا تخرج من الملة

قال رحمه الله تعالى: [ولكن بقي هنا إشكال يرد على كلام الشيخ رحمه الله تعالى، وهو: أن الشارع قد سمى بعض الذنوب كفراً، قال الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]، وقال صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)].

هذه الفقرة يمكن أن نضع لها عنواناً فنقول: المسائل التي ورد وصفها بالكفر وهي لا تخرج من الملة، أو: الأمور التي ورد وصفها بالكفر وهي لا تخرج من الملة، أو: الكبائر التي سميت كفراً، أو: نماذج من الكفر الأصغر، أو: نماذج من الكفر العملي، أو: المعاصي المكفرة التي لا تخرج من الملة.

وكل النماذج التي جاء بها الشيخ من النصوص أكثر أهل العلم على أنها لا تخرج من الملة، وقد يكون منها صور مخرجة، لكن ليست هي الأصل، فالأصل في هذه الأمور أنها ليست مخرجة من الملة، وهذا ما عمله سلف الأمة؛ لأن أكثر السلف كانوا يضربون هذه الأمور أمثلة على أنه ليس كل كفر مخرجاً من الملة.

فالصحابة والتابعون وأئمة السلف ثم الأئمة الذين كتبوا وصنفوا في العقائد فيما بعد كلهم عندما يتناولون هذه المسألة يقررون أن من الكفر ما لا يخرج من الملة، وهو بمثابة الكبائر أو عظائم الذنوب، ثم يضربون أمثلة عليه بهذه النصوص، وهي نصوص ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة جداً، فكثير مما وصفه القرآن بأنه كفر أو وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كفر من أعمال المسلمين أهل القبلة ليس من الكفر المخرج من الملة.

فأغلب ما ورد في القرآن الكريم وما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وألسنة الصحابة وأئمة التابعين من إطلاق الكفر على أهل القبلة في تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم مما لا يخرج من الملة.

وأغلب الكفر الذي وصف الله به المشركين والمنافقين واليهود والنصارى هو من الكفر المخرج من الملة، فالقاعدة تنعكس في الكفار الخلص.

قال رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه].

واضح في الحديث أنه اعتبر قتال المسلم كفراً، ولا شك أنه كفر غير مخرج من الملة؛ لأن الله عز وجل وصف المقتتلين في كتابه بأنهم إخوة.

قال رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما) متفق عليهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].

هذا الحديث قد تأتي فيه صور تعني الكفر المخرج من الملة، لكن هذا قليل، فظاهر الحديث أن من قال لأخيه المسلم الذي من أهل القبلة: يا كافر.

فقد باء بها أحدهما، بمعنى: أنه حينما أطلق عليه الكفر وهو لا يستحقه رجع الكفر إلى القائل، لكن هل قال: خرج من الملة؟

و صلى الله عليه وسلم لا؛ لأنه سماهما أخوان فقال: (من قال لأخيه)، فلا يزالان في إخوة الإيمان.

حتى القائل الذي ارتكب إثماً بالتكفير حينما كفر أخاه لا يرتد إليه الكفر المخرج من الملة، إلا في بعض الحالات والله أعلم، كما لو اعتقد أن أخاه خارج من الملة، فقد يرتد إليه نفس الحكم، وقد لا يرتد أيضاً.

وهذه مسألة تحتاج إلى تحقيق، وتحتاج إلى بحث، لكنها على أي حال من ألفاظ الوعيد، وألفاظ الوعيد لا تجرى على ظاهرها؛ لأنها لا بد أن تقيد بالنصوص الأخرى وبقواعد الشرع بالضرورة، وإلا فلو أخذنا هذه النصوص على ظواهرها لأخرج كثير من المسلمين من الإسلام بمجرد الحكم، ويترتب على ذلك ما يترتب في الزواج والطلاق والمواريث والصلاة إلى آخره.

وهذا الذي جعل المكفرة يسمون الخوارج ويخرجون عن أهل السنة والجماعة، ذلك أنهم حينما حكموا بمثل هذه النصوص والكفر المخرج من الملة أخرجوا أكثر المسلمين وما بقي غيرهم، فمن هنا وقعوا في الفرقة، ووقعوا في مذهب الخوارج.

قال رحمه الله تعالى: [وقال صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد)].

هذا الحديث لا بد أيضاً من أن يرد إلى الحديث الآخر، حديث أبي ذر في إثبات الإيمان للزاني والسارق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن زنى وإن سرق) هذا شيء.

الشيء الآخر: أن حديث النفاق فيه دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم النفاق إلى نوعين: إلى نفاق خالص، وهذا أمر غيبي لا يعلمه إلا الله عز وجل، وإلى نفاق جزئي، يعني: خصلة من خصال النفاق، والكفر كالنفاق، فقد يقال عن إنسان بأنه كافر خالص، وهذا الكافر الخالص م

طور بواسطة نورين ميديا © 2015