قال رحمه الله تعالى: [وتنوع الكشف والتأثير باعتبار تنوع كلمات الله، وكلمات الله نوعان: كونية، ودينية.
فكلماته الكونية: هي التي استعاذ بها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82].
وقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام:115] والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق].
الكون بما فيه، والإنسان في أعماله أو فيما يقدره الله عز وجل له وعليه في سائر الأمور غير الشرعية، هو داخل في كلمات الله الكونية، سواء في نفس الإنسان وفي جسمه وفي أحواله، أو في جميع أمور المخلوقات، فجميع المخلوقات تسير بتدبير الله عز وجل، فالجميع داخل في آيات الله الكونية الصغير منها والكبير، ليس المقصود بالآيات الكونية فقط السنن الكونية الكبرى كجريان الشمس، ودوران الأفلاك ونحو ذلك، لا، حتى الأمور الدقيقة جداً التي يقدر فيها الله مقادير الخلق الصغير والكبير كلها داخلة في آيات الله الكونية.
أما النوع الثاني: وهو الكلمات الدينية، فهي الأوامر الشرعية، والوحي بشتى أنواعه يتمثل كلمات الله الدينية.
قال رحمه الله تعالى: [والنوع الثاني: الكلمات الدينية، وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي أمره ونهيه وخبره، وحظ العبد منها العلم بها والعمل، والأمر بما أمر الله به، كما أن حظ العباد عموماً وخصوصاً العلم بالكونيات والتأثير فيها، أي: بموجبها، فالأولى: تدبيرية كونية، والثانية: شرعية دينية، فكشف الأولى: العلم بالحوادث الكونية، وكشف الثانية: العلم بالمأمورات الشرعية].
يعني: موقف العبد من الأمور الكونية بذل الأسباب، من خلال مقادير الله عز وجل التي أقدره الله عليها، وجعل له فيها الإرادة والحرية والقدرة، فالعباد لهم قدرة معينة داخلة في قدرة الله الكونية العامة، وعلى العباد أن يعملوا بما وهبه الله لهم من الأسباب، التي هي داخلة في الأسباب الكونية، وهي بذل الأسباب المادية من طلب الرزق ونحو ذلك، فهذه داخلة في الأمور الكونية العامة، وهي أيضاً مطلوبة من العباد.
أما موقف العبد من كلمات الله الشرعية فالمطلوب منه أولاً: العلم بها، ثم امتثال ما فيها من أوامر، واجتناب ما فيها من نواه.
إذاً: فالعبد مطلوب منه أن يعمل بالأمرين، وهذا هو التوازن والاعتدال والوسطية التي خالفها أهل الأهواء بشتى أصنافها، فأهل السنة والجماعة يعملون بالأسباب، ومن هنا فهم عاملون بما أمر الله به من الاستفادة من آيات الله الكونية، ثم إنهم أيضاً يمتثلون لأوامر الله وآياته الشرعية.
الملقي: [وقدرة الأولى: التأثير في الكونيات، إما في نفسه، كمشيه على الماء، وطيرانه في الهواء، وجلوسه في النار، وإما في غيره بإصحاح وإهلاك وإغناء وإفقار.
وقدرة الثانية: التأثير في الشرعيات، إما في نفسه، بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، وإما في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيُطاع في ذلك طاعة شرعية].
قدرة الأولى: هي التأثير في الكونيات، تشمل النوعين: الأول: تشمل عمل الخوارق بما لا يجوز شرعاً كعمل السحرة، فإن الله عز وجل قد يبتليهم بهذه الخوارق، ويكون ذلك سبباً لهلاكهم بوقوعهم في الكفر، أو في الكبائر التي تهلكهم في الدنيا والآخرة.
النوع الآخر: تشمل آيات الله الكونية المتعلقة بالكرامات، فإنها داخلة في التأثير في الكونيات، فإن الله عز وجل قد يسخّر لعباده من الآيات الكونية ما يكون كرامة.
إذاً: فالقدرة الأولى التي هي التأثير في الكونيات يدخل فيها الجائز والممنوع، يدخل فيها المشروع وغير المشروع.
أما قدرة التأثير الثانية فلا تكون إلا لمن وفقه الله عز وجل بطاعة الله عز وجل، والتمسك بالكتاب والسنة ظاهراً وباطناً، وهذا لا يكون إلا على وجه الاستقامة، لا يتهيأ للإنسان أن تتوافر فيه الطاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والاستقامة والتقوى والتوفيق في هذا الأمر إلا على الوجه المشروع، وإن حدث لأحد من الناس ظاهره الصلاح أن حدثت له ما يظن أنها كرامات، فهو إما ابتلاء، وإما من المخارق والدجل الذي يظنه من باب الكرامة، وهو ليس من باب الكرامة، فإن صاحب البدعة قد يدعو عند الكرب، والدعاء في حد ذاته مشروع، لكن يدعو بدعاء غير مشروع، فيحصل له نفع، أو يندفع عنه ضر، فهذا بذل وسيلة، إذ هي ظاهرة شرعية، لكن ليست على الاستقامة، وربما تسخر له الآيات الكونية، لكن من باب الابتلاء والفتنة والإملاء له، وهذا ليس دليلاً على الخير، وهذا يعرف بقرائن الأحوال، لا يمكن أن يعمى على الناس الحق، وأهل الاستقامة أهل السنة يدركون الفرق واضحاً، بل عامة أهل السنة يدركون ذلك، ولذلك تجدون بعض العوام مم