قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولهذا كان الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام: قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة.
وقسم يتعرضون بها لعذاب الله.
وقسم يكون في حقهم بمنزلة المباحات كما تقدم].
هذه مسألة مهمة، وسبق الإشارة إليها، لكن التأكيد عليها مهم في هذا المقام؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرف ضوابط الكرامة والخوارق، ولا يميز بين الكرامة التي تكون بمثابة البشارة للإنسان برفع درجته، وبين الكرامة التي تكون من باب سد حاجة الإنسان، فهي مباحات، وبين الخارقة التي تشبه الكرامات وهي ابتلاء.
فالكرامة إذا حدثت على يد شخص من أهل الخير والاستقامة، فإنها غالباً تكون بإكرام الله له، وربما يدله الله عز وجل فيها إلى خير ينفعه في دينه ودنياه، وأحياناً تكون الكرامة للرجل الصالح ولغير الرجل الصالح من الناس، من باب النفع العاجل، يفرج الله بها كربة، أو يشفي بها مرضاً، أو يدل فيها على أمر فيه حيرة ونحو ذلك، فهذه من الأمور التي تدخل في باب المباحات، وقد يكون جزءاً منها من باب الكرامة التي ترتفع بها الدرجة.
فأغلب الكرامات التي يطلبها الناس تكون في حال ضرورة ولجوء إلى الله عز وجل، من فعل الأسباب التي شرعها الله وأباحها، كالدعاء أو الرقية أو الأدوية ونحو ذلك، فقد يكون الأمر الخارق للعادة الذي يدفع الله به عن المسلم سوءاً، أو يجلب له خيراً من باب الأمور المباحة، فإن شكر الله على ذلك وحمد الله ارتفعت بها درجته ولقي أجراً، وإن غفل ربما لا يظهر، لكن تبقى من صنف المباحات.
وقسم آخر يكون من الأمور المضرة، أو من باب إقامة الحجة، سواء كان إنساناً أو جماعة أو أمة، قد تحدث لبعض الجماعات التي عندها شيء من البدع خوارق فيظنونها كرامات، وهي تصرفهم عن السنة إلى الوقوع في البدعة أو التمادي فيها، فيظنون أن هذه الخوارق دليل على أنهم على حق، في حين أنها من إملاء الله لهم، ومن العقوبة العاجلة، والتي ربما يترتب عليها الإثم في الدنيا والآخرة، وأغلب ما يحدث لأهل البدع وأهل الفجور من هذه الخوارق هو من هذا النوع، وأحياناً تكون من الاستدراج لعبد من العباد، أو لطائفة من الناس، فيبتليهم الله عز وجل بما يشبه الكرامات والخوارق، فلا يشكرون الله عز وجل، فتحل عليهم العقوبة بسبب ذلك.