ومسمى الكلام اختلفوا فيه هل اللفظ أو المعنى؟ قال بعضهم: إن مسمى الكلام حقيقة في المعنى مجاز في اللفظ وهم الأشاعرة، والأصل في الكلام المعنى، وأما اللفظ مجاز.

وقيل: إن الكلام حقيقة في اللفظ مجاز في المعنى، وهذا مذهب المعتزلة، وقيل: إن الكلام حقيقة في كل من اللفظ والمعنى فإطلاقه على المعنى وحده حقيقة وإطلاقه على اللفظ حقيقة، وهذا مذهب ابن علي الجويني: وقيل إن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى على سبيل الجواز فإطلاقه على أحدهما إطلاقه على جزء معناه، وإطلاقه عليهم على سبيل الجمع إطلاق على كل معناه.

وهذا هو الذي عليه أكثر العقلاء وهو: الصواب مسمى الكلام اللفظ والمعنى، ليس مسمى الكلام اللفظ فقط، كما تقول المعتزلة، ولا مسمى الكلام المعنى كما تقول الأشاعرة، ولا مسمى اللفظ وحده والمعنى وحده كما يقول ابن علي الجويني فمسمى الكلام اللفظ والمعنى.

بسم الله الرحمن الرحيم

وقيل: إن الكلام حقيقة في كل من اللفظ والمعنى، فإطلاقه على المعنى وحده حقيقة، وإطلاقه على اللفظ حقيقة، وهذا مذهب أبي علي الجويني، وقيل: إن الكلام حقيقة في اللفظ والمعنى على سبيل الجمع، فإطلاقه على أحدهما إطلاق على جزء المعنى، وإطلاقه عليهما على سبيل الجمع إطلاق على كل المعنى.

وهذا هو الذي عليه أكثر العقلاء، وهو الصواب أن مسمى الكلام اللفظ والمعنى، ليس مسمى الكلام اللفظ فقط كما تقول المعتزلة، ولا مسمى الكلام المعنى كما تقول الأشاعرة، ولا مسمى اللفظ وحده والمعنى وحده كما يقول أبو علي الجويني.

فالمسمى الكلام واللفظ والمعنى، لكي أتكلم أو كلام أو هذا الكلام اسم للفظ والمعنى.

حقيقة مذهب أهل السُّنة والجماعة في كلام الرب عز وجل أن كلام الله محفوظ في الصدور مقروء بالألسن مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور معلوم في القلوب، مقروء مسموع بالآذان، وهو في هذه المواضع كلها حقيقة.

فإذا قيل في المصحف كلام الله فُهم منه معنًى حقيقي، وإذا قيل فيه مداد كتب به فهم منه معنى حقيقي، وإذا قيل: في المصحف خط فلان الكاتب فهم منه معنى الحقيقية.

وإذا قيل المداد في المصحف فالظرفية فيه غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه السماوات والأرض وفيه محمد وعيسى، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه خط فلان الكاتب، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: فيه مداد كتب به، وهي غير الظرفية المفهومة من قولك: في المصحف كلام الله.

هذه كلها حقائق فالمصحف فيه كلام الله، وفيه خط فلان، وفيه مداد كتب به وفيه محمد وعيسى يعني ذكر محمد وعيسى وفيه السماوات والأرض أي ذكر السماوات والأرض.

ومن لم يتنبه لهذه الفروق ضل ولن يهتدي إلى الصواب، وكذلك لا بد من الانتباه للفرد بين القراءة والمقروء فالقراءة فعل القارئ والمقروء كلام الرب.

وقد استدل الإمام البخاري -رحمه الله- في كتابه الصحيح على أن أفعال العباد مخلوقة في نصوص التبليغ على أن أفعالهم -ومن ذلك كلامهم وأفعالهم وأصواتهم- كلها مخلوقة، استدل بنصوص التبليغ كقوله سبحانه: {* يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقوله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} وهذا من رسوخه في العلم، فإن ذلك يتضمن أصلين عظيمين ضل فيها أهل الزيغ:

الأصل الأول: أن المبلغ ليس له من الكلام إلا مجرد التبليغ فليس مُنْشِئًا ولا محدثًا للكلام؛ إذ لو كان الكلام من عنده لكان مُنْشئًا محدثًا للكلام ولم يكن مبلغًا؛ فالمبلغ إنما يبلغ كلام غيره إذا قرأت: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) تقول هذا كلامك أو كلام الرسول؟ كلام الرسول.

وإذا قرأت قول امرئ القيس:-

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل

تقول هذا كلام امرئ القيس، أنت مبلغ عنه، والكلام لامرئ القيس ليس لك. (إنما الأعمال بالنيات) - الكلام للرسول ليس لك، فالمبلغ إنما يبلغ كلام غيره.

الأصل الثاني: أن التبليغ فعل المبلغ وحقيقته أن يورد إلى الموصل إليه ما حمله إليه غيره فله مجرد التبليغ، قد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في الصحيح في كتاب التوحيد باب قراءة الفاجر والمنافق لا تجاوز حناجرهم، أراد من ذلك أن أفعال العباد وقراءتهم وأصواتهم مخلوقة، هم يقرءون كلام الله بأصواتهم فأصواتهم وقراءتهم هي أفعالهم، والمقروء كلام الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015