& ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب:
وهذه الخسوف الثلاثة، خسوفٌ عظيمة لم يسبق أَنْ حَدَثَ مثلها.
فالزلازل وخسوف الأرض تحدث في الأرض وهي من آيات الله - جل جلاله - يبتلي بها ويعذِّبُ بها، ولكنها آيات عند قرب قيام الساعة لم يحدث لها مثيل، فهي غير مألوفة.
خسوف عظيمة كبيرة تكون في الشرق وفي الغرب وفي جزيرة العرب.
والخَسْفْ معروف أنَّهُ ذهاب الأرض إلى أسفلها، يعني ذهاب علو الأرض إلى أسفلها. (?)
& طلوع الشمس من مغربها:
وطلوع الشمس من مغربها جاء ذكره في القرآن وكذلك في السنة الصحيحة، كما في قوله - عز وجل -: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] .
والتوبة (?) لا تزال مقبولة من العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها.
وطلوع الشمس من مغربها حقٌ وصدق وهي آية غير مألوفة؛ لأنَّ المألوف أنَّ الشمس تطلع من الشرق ثم تغرب في الغرب، فكونها تعود من حيث جاءت أو من حيث غَرَبَتْ، تعود من الغرب إلى الشرق هذه آية عظيمة غير مألوفة تجعل الناس جميعاً يؤمنون.
ولهذا إذا طلعت الشمس من مغربها فإنَّ الناس يؤمنون لكن {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} ، فيبقى بعد طلوع الشمس من مغربها الناس فيهم المؤمنون الذين آمنوا قبل طلوع الشمس من مغربها، وفيهم المنافقون والكافرون والمشركون.
& خروج الدابة على الناس ضحى:
ثم تخرج الدابة، والدابة حيوان عظيم الخِلْقَةْ يُعْطِيهْ الله - عز وجل - القدرة على وَسْمْ الناس، كما قال - عز وجل - في آخر سورة النمل: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82] .
{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} يعني بقيام الساعة وبطلوع الشمس من مغربها.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} وفي قراءة أخرى: {تَكْلِمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} وأيضاً {إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} ، يعني بفتح الهمزة من {أَنَّ} وكسرها.
وقوله: {تُكَلِّمُهُمْ} و {تَكْلِمُهُمْ} قراءتان صحيحتان تدلاَّنِ على معنيين مختلفين:
1- المعنى الأول: أنها تُكَلِّمْ وتحدِّثْ الناس، وهي آية، والعادة في الحيوان أنَّهُ لا يُكَلِّمُ الناس، فهي تكلم الناس بلغاتهم وبما يفهمون عنها.
2- المعنى الثاني: أنها تَكْلِمْ الناس بمعنى أنَّهَا تَسِمُ الناس، والوسْمُ سَمَّاهُ الله - عز وجل - هنا كَلْماً لأنه يكون معه كَلْمُ الجلد والتأثير في الجلد كما يحصل في وسْمِ الدواب فإنه لا بد فيه من جُرْحٍ فيها أو من أثرٍ فيها، فتَسِمُ الناس هذا مؤمن وهذا كافر، وهذه هي الآية الثامنة.
ثم بعد ذلك تأتي وليست من الآيات تأتي ريح يرسلها الله - عز وجل - خفيفة في ليلة فتقبض أرواح أهل الإيمان أو يموت معها أهل الإيمان، فيبقى أهل الكفر والنفاق والشرك يتهارجون في الأرض كتهارج الحُمُرْ فلا يقال في الأرض (الله الله) (?) كما جاء في الصحيح، يعني لا يُقَال في الأرض اتق الله اتق الله، أو أذكر الله أذكر الله.
& الدخان:
ثم يكون الدخان، والدخان حَصَلَ مَرَّةً كما في سورة الدخان؛ ولكنه ليس بالآية العظيمة كالدخان الذي يحصل قرب قيام الساعة، فذاك دخان يغشى الناس من أولهم إلى آخرهم في الأرض كلها ويشتد معه الخطب والأمر.
ومن أهل العلم من قال: إنَّ الآية في سورة الدخان المقصود بها ما هو في قرب قيام الساعة، وفي الأحاديث والسنة أنَّ الدخان حَصَلَ في المسلمين، يعني قد رآه المسلمون والمشركون في مكة، وهذا غير هذا.
& خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر:
وآخرها نار تخرج من جنوب الجزيرة من قعر عدن؛ يعني يبدأ خروجها من هذا الموطن، ثم تنتشر في الأرض فتحيط بالناس تحشُرُهُمْ إلى أرض المحشر، تبيت معهم وتَقِيلُ معهم، وهذا أيضاً آية عظيمة أنَّ ناراً تتحرك تمشي تقف مع الناس ومع خوفهم حتى تحشر الناس إلى أرض المحشر.
ثم بعد ذلك يحصل النفخ في الصور: النفخة الأولى، نفخة الفزع والصّعق، ثم تكون أربعون وتكون نفخة البعث أعاننا الله - عز وجل - على كربات يوم القيامة وغفر الله لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.