[المسألة الخامسة] :
في قوله (وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ وَالْخِلَافَ وَالْفُرْقَةَ) الخلاف شَرٌّ ومذموم في الشريعة.
والخلاف يُطلق ويُراد به الاختلاف أيضاً كما قال - عز وجل - {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119] ، فمدح من لم يَخْتَلِفْ وذَمَّ من كان في اختلاف.
وأهل الاصطلاح يُفَرِّقُونَ بين الخلاف والاختلاف، وهذا ليس هذا مورده وإنَّمَا في هذا الموضع الاختلاف والخلاف بمعنىً واحد وهما شر، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (الخلاف شر) (?) .
والخلاف له صورتان:
1- الأول خلاف في العِلْمِيَّاتْ: في العلم والعقيدة، وهذا البحث فيه كالبحث في الشذوذ والفرقة الآتي.
2- الثاني الخلاف في العَمَلِيِّاتْ: يعني فيما يُسَمَّى بالفروع.
والخلاف الثاني في الفروع ليس مُبَاحَاً أو مأذوناً به دائماً؛ بل قد يكون الخلاف مذموماً ولو كان في الفروع، وذلك إذا كان سيترتب عليه مفسدة في الناس أو افتراق أو إساءة ظن أو مخالفة لأئمة المسلمين.
ولهذا ابن مسعود رضي الله عنه في قصته مع عثمان كان يُقَرِّرْ ويَذْكُرْ أنَّ السنَّة أن يُصَلِّي أهل منى في منى ركعتين للرباعية وعثمان رضي الله عنه صَلَّى الرباعية أربعاً وكان ابن مسعود يُصَلِّي معه أربعاً، فقيل له في ذلك: تقول السنة ركعتان وتصلي مع عثمان أربع؟
فقال: الخلاف شر.
وهذا من عظيم فقهه رضي الله عنه مع أنَّهُ كان بينه وبين عثمان رضي الله عنه خُصومة أو نوع خلاف واختلاف في مسألةِ عطائه، فكان يَطْلُبُهُ وعثمان لم يُعْطِهِ عَطَاءَهُ الذي كان يرى ابن مسعود أنَّهُ له؛ لأنَّ ابن مسعود بدري، وكان له في ذلك قولْ يجادل به عثمان معروف؛ لكن مع ذلك تَخَلَّصَ من هوى نفسه وقال (الخلاف شر) .
فإذاً الخلاف في الفروع، في العمليات ليس دائما مأذوناً به أو لا يُعَابُ صاحبه؛ بل قد يُعَابُ إذا كان في الخلاف مفسدة أوفُرْقَة أو الخلاف يُسَاءْ به الظن أو يَسُدُّ أبوابا من الخير ونحو ذلك.
والطحاوي هنا لا يريد تقرير هذا البحث الثاني، وإنما يريد أنَّ الخلاف الذي هو بمعنى الشذوذ والفُرْقَةْ يُجْتَنَبْ ويُحْذَرْ منه.