[المسألة الرابعة: معنى الشذوذ في العلم والعقيدة، وحكم من شذ فيهما]

[المسألة الرابعة] :

في قوله (وَنَجْتَنِبُ الشُّذُوذَ) :

الاجتناب هو التَّرْكْ، ويريد بالترك أنه يَتْرُكُهُ ديناً وتَعَبُّدَاً وتقرباً إلى الله - عز وجل - لملازمته للسنة والجماعة.

والشذوذ: هو الانفراد، وقد جاء في حديث وفي إسناده ضعف «ومن شذَّ شذَّ في النار» (?) يعني من انفرد عن الجماعة التي وَعَدَهَا الله - عز وجل - بالجنة فإنه سينفرد عنهم أيضاً في الآخرة في النار، وهذا من جهة الوعيد.

فمعنى الشذوذ في العلم والعقيدة الإنفراد بأشياء ليس عليها الدليل ولم تكن عليها الجماعة الأولى.

ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله وجماعة من أئمة السلف يقولون في مسائل العقائد (لا نتجاوز القرآن والحديث) ؛ لأنه إذا تجاوز المرء القرآن والحديث بمسائل الغيبيات والعقائد فإنه لا يُؤْمَنْ عليه الخلاف ولا يُؤْمَنْ عليه أن ينفرد بآراء ليست مُدَلَّلاً عليها.

والشذوذ قد يكون:

- في أصل من الأصول-يعني الانفراد.

- في فرعٍ لأصْلٍ من أصول الاعتقاد.

فالشذوذ مرتبتان:

1 - المرتبة الأولى: أن ينفرد ويَشُذْ في أصل من الأصول؛ يعني في الصفات، في الإيمان، في القدر، فهذا بانفراده في الأصل يخرج من الاسم العام المُطْلَقْ لأهل السنة والجماعة.

2 - المرتبة الثانية: أن يوافق في الأصول؛ لكن يُخَالِفُ في فرعٍ لأصل أو في فَرْدٍ من أفراد ذلك الأصل.

مثلاً يؤمن بإثبات الصفات وإثبات استواء الرب - جل جلاله - على عرشه وبعلو الرب - جل جلاله - وبصفات الرحمن سبحانه وتعالى؛ لكن يقول: بعض الصفات أنا لا أثبتها، لا أثبت صفة السّاق لله - عز وجل -، أو لا أثبت صفة الصورة لله - عز وجل -، أو أُثْبِتُ أنَّ لله أعيناً، أو أثبت لله - عز وجل - كذا وكذا مما خالف به ما عليه الجماعة.

فهذا لا يكون تاركاً لأهل السنة والجماعة؛ بل يكون غَلِطَ في ذلك وأخْطَأْ ولا يُتَّبَعُ على ما زلَّ فيه بل يُعْرَفُ أنه أخطأ، والغالب أن هؤلاء مُتَأَوِلُونَ في الاتباع.

وهذا كثير في المنتسبين للسنة والجماعة كالحافظ ابن خزيمة فيما ذكر في حديث الصورة، وكبعض الحنابلة حينما ذكروا أنَّ العرش يخلو من الرحمن - جل جلاله - حين النزول، وكمن أثبت صفة الأضراس لله وأثبت صفة العضد أو نحو ذلك ممَّا لم يقرره أئمة الإسلام.

فإذاً من شذَّ في ذلك في هذه المرتبة، يقال: غَلِطَ وخالَفَ الصواب؛ ولكن لم يخالف أهل السنة والجماعة في أصولهم؛ بل في بعض أفرادِ أصلٍ وهو مُتَأَوِّلٌ فيه.

وهذا هو الذي عليه أئمة الإسلام فيما عاملوا به من خالف في أصل من الأصول في هذه المسائل، وكُتُب ابن تيمية بالذات طافحة بتقرير هذا في من خالف في أصل أو خالف في مسألة فرعية ليست بأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015