بل يقولون: إن موسى عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يدعو إِلَى الشرك، لأنه كَانَ يدعو إِلَى اثنين، وأما فرعونفهو الموحد، لأنه يدعو إِلَى شيء واحد، فهو ينطق بعين الحقيقة. ومن فروعه: أن عباد الأصنام عَلَى الحق والصواب لأنهم إنما عبدوا الله لا غير، لأن الوجود كله واحد -وجود مطلق- ولا موجود حقيقي إلا هو كما يقولون، فهذه الموجودات هي ذاته!!
ثُمَّ يقول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [مما نلزمهم به التحليل والتحريم بين الأم والأخت والأجنبية] لأن الذي يثبت ذوات مختلفة فهو شخص معدد، والتوحيد عندهم أن الكل ذات واحدة، فما الفرق بين الأجنبية وغيرها؟! ولذلك وجد في سيرهم وكتبهم أنهم كانوا يتعاشرون بالإباحية فيقولون: هذا حلال في حقهم، وإنما التحريم في حق العوام لأنهم عَلَى الشرك، فتوحيد العوام أن يقولوا: "لا إله إلا الله"، وأن الله فوق السماوات، لأنهم لا يفهمون. وأما هم فقد عرفوا حقيقة التوحيد، وأن الأشياء كلها واحدة، وسقطت عنهم الحواجز، فلم يعد هذا حلال وهذا حرام.
وقد عقد ابن الجوزي في تلبيس إبليس فصلاً طويلاً عن الصوفية فيما يتعلق بالعشق الذي يجعلونه فيما بينهم -والعياذ بالله- فذكر كلاماً يندى له الجبين، ولا يكاد يصدقه أحد أو يفعله أحد من فساق الْمُسْلِمِينَ مجاهرة، فضلاً أن تكون هي أخلاق أولياء الله الذين هم القدوة وأوتاد الأرض، ولولاهم لنزل البلاء من السماء ولمحقت البركات، ومن عجائبهم: أن النوري -لما صاح غراب عَلَى المنارة- قَالَ: لبيك لبيك. قالوا: لماذا؟ قَالَ: الحق ناداني. فهل الحق في الغراب والعياذ بالله؟!
وهذه كلها مرجعها إِلَى شيء واحد وهو: قضية الفناء الصوفي التي بنيت عَلَى قضية كلامية.
ثُمَّ قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [ومن فروعه أن الأَنْبِيَاء ضيقوا عَلَى النَّاس] .