لأن الأَنْبِيَاء في نظرهم عينوا لهم معبوداً واحداً، بينما المعبودات في نظرهم كثيرة جداً، وعينوا لهم أنواع محدودة من العبادات.

فهذا دين الله الذي جَاءَ به الأَنْبِيَاء جميعاً عقيدة وعبادة وشريعة محددة، وأما هَؤُلاءِ فوسعوا عَلَى النَّاس وَقَالُوا: الآلهة والمعبودات والعبادات متعددة كله لله ومن الله، بل قالوا: إن الفاعل الحقيقي هو الله، وهنا تلتقي النظرية الجبرية مع النظرية الصوفية.

بل قالوا أشد من ذلك: أنه لا فاعل في الحقيقة إلا الله -هذا حقيقة التوحيد عندهم- والبشر وجودهم عارض لا قيمة له، فلو أن إنساناً أعطى فلاناً مبلغاً من المال فالمعطي الحقيقي هو الله، ولاشك أن الله هو الرازق، ولكن يجب أن ينتبه إِلَى أن هَؤُلاءِ يأتون بمثل هذه الأمثلة ثُمَّ يدخلون عليها أمثلة أخرى فيقولون: فإذا زنى الزاني ولا فاعل حقيقي إلا لله؟ ‍! -والعياذ بالله- فيجب أن يعلم أن هناك فرقاً بين الخالق للأسباب والفاعل للأسباب فكون الله هو خالق الأسباب هذا شيء، وكونه هو فاعل الأسباب جميعاً هذا شيء آخر، فالله خلقني وجعلني سبباً أن أعطي فلاناً هذا المبلغ من المال، ولا نقول: إن الله أعطى ذلك دون سبب مني. والجبرية والجهمية شيء واحد يقولون: إن البشر كالريشة في مهب الريح، فكل ما يفعله الإِنسَان مقهور عليه، والله هو الذي قدره عليه. وهذه المقولة مع شناعتها وكفرها أقرب من كلام أُولَئِكَ إِلَى العقل.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015