فمن هنا اجتمعت النظريتان، الكلامية والصوفية وأدتا إِلَى مدلول واحد، وهو إما: الحلول وإما: الاتحاد وهما متقاربان. فلذلك يذكر المُصْنِّف هنا ما يلزم عليهم، فقَالَ: إن كفرهم أقبح من كفر النَّصَارَى فالنَّصَارَى قالوا: إن الله حل في المسيح، وكفرهم الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم [المائدة:72] فهذا كفر، فكيف بمن قَالَ: إن الله هو هذه الحجارة وهذه الأشجار، فهذا أقبح وأشد كفراً.
ومن فروع هذا الكلام أو التوحيد عندهم: أن فرعون وقومه كاملوا الإيمان، عارفون بالله عَلَى الحقيقة، ولذلك صرح ابن عربي بأنفرعونعندما قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] لم يكن مخطئاً، ولم يقل إلا الحق، لأنه ليس في الوجود إلا هو، فهو تكلم عن ذات الحقيقة الكلية وعن ذات الوجود.
ولذا قال الحلاج وأبو يزيد وغيرهم: "سبحاني سبحاني ما أعظم شأني" و"ما في الجبة إلا الله"!!.
وقالفرعون: "أنا ربكم الأعلى"، فكان كافراً فما الفرق بين العبارتين؟!
لا شك أن العبارتين واحدة ومدلولهما واحد، ولكنهم عكسوا القياس فَقَالُوا: الحلاج وأبو يزيد مسلمان مؤمنان مع قولهم: "سبحاني، سبحاني" وقولهم "ما في الجبة إلا الله" ففرعون هو كذلك مؤمن ومسلم وموحد فر من الشرك إِلَى التوحيد.
ولذلك يقول هَؤُلاءِ -ومنهم ابن سينا -: القُرْآن شرك كله، وإنما التوحيد عندنا، لأن الإثنينية شرك.
فإن قلت: خالق ومخلوق، وعابد ومعبود، فهذا شرك لأنك عددت.
وأما التوحيد فهو: اعتقاد أن كل الوجود واحد، وما في الوجود إلا هو.
قال الحلاج:
حتى لقد عاينه خلقه كنظرة الحاجب للحاجب
ولما قيل للحلاج إن هذا الكلام كفر قَالَ:
كفرت بدين الله والكفر واجبٌ عليَّ وعند الْمُسْلِمِينَ قبيح
يعني: نظرتكم نظرة كفر ولا يهمني هذا الذي تقولونه.