إذاً: هذا كافر -هكذا يزعمون- فاتبعوا ما تشابه أي: ما تشابه معناه واحتمل عدة معاني، ولم يردوها إِلَى المحكم، ولوردوها إِلَى المحكم لوجدوا أن في كتاب الله إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فالآية محكمة واضحة المعنى جلية لا التباس في معناها، وكذلك كلمة الضلال المبين والضلال البعيد تارة تطلق عَلَى الكفر وتارة تطلق عَلَى المعصية فقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] الضالين: اليهودكما فسرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واليهود كفار.
والضالين أيضاً تلطق عَلَى الخارجين عن السنة إِلَى البدعة قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ [القلم:26] أي: لمخطئون، تائهون عن الطريق، والمقصود هنا: أن الضلال يأتي بمعنى: الخطأ والذنب والكفر، لكن هذه الآية محكمة إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فتدل عَلَى أن صاحب الكبيرة تحت المشيئة يغفر الله له إن شاء أو يعذبه إن شاء، وأما قوله تعالى: ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7] فهَؤُلاءِ ابتغوا الفتنة كالخوارج وأمثالهم وابتغوا المتشابه؛ كما قيل: إن النَّصَارَىقالوا: إن في القُرْآن ما يدل عَلَى أن الآلهة ثلاثة كما في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر:9] قالوا: ونحن عَلَى الجمع وأقل جمع ثلاثة إذاً هو ثلاثة كما في التوراة، يقال لهم إن: معنى "نحن" متشابه، فالواحد المعظم لنفسه يقول: نحن، والجماعة يقولون: نحن، وهذا لا يلتبس بكتاب الله؛ لأننا نرده إِلَى المحكم، وهو قوله: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163] إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الأنعام:19] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] .